أقلامهم

خلود الخميس: نريد حلفاً يتخطى الجغرافيا إلى التاريخ

 نريد حلفاً يتخطى الجغرافيا إلى التاريخ
بقلم: خلود عبدالله الخميس
تنعقد اليوم الثلاثاء القمة الرابعة والثلاثون لدول مجلس التعاون الخليجي في الكويت على أكبر تباين وتفكك في وجهات النظر بين الدول الأعضاء منذ تأسيسه في 25 مايو 1981.
ثلاثة عقود من الحلف المكلف على مستويات عدة: اقتصادية، سياسية، اجتماعية، وهي مكلفة أيضاً حتى على نفسيات الشعوب ودرجة علاقتهم المزدوجة، الأولى مع حاكمهم، والثانية مع «حاكمهم العضو» في مجلس التعاون. فهناك فرق في القرارات عندما تكون على مستوى الوطن وعندما تكون على مستوى تجمع سياسي يتطلب مواءمة وتنازلات ووجه قد يكرهه الشعب ولكنه يرضخ في سبيل الجماعة، وأثبتت التجارب أن كل رضوخ لم يكن لصالح المجلس ولا الحكام ولا الشعوب.
المجلس ضعيف، الحكام حفروا هوة مع شعوبهم، الشعوب غاضبة حانقة وعلى شفا كلمة «ثائرة»!
تخلل وجود المجلس أحداث مفصلية كغزو إحدى دول الحلف، ولم يكن «الخليجي» وحده قادراً على تحرير الكويت وحرب الباغي المحتل لولا فواتير السياسة الخارجية التي تنفقها الكويت في المجتمع الدولي لليوم الأسود!
ثلاثون عاماً من الركود قادرة على تشكيل أعلى درجات الإحباط الشعبي والرفض المعلن لما تسير به خطى مجلس تهاون بالتعاون مع الشعوب واهتم بالحلف مع الحكام.
فلم يتعد المجلس كونه منظمة حكومية لها ميزانية ضخمة تعتمد على الدول الأعضاء أي حلف «بريستيجي» أكثر من كونه فاعلا إقليمياً، ويفترض أنه مقدمة لنتيجة «الاتحاد خليجي» ولكن تعرقل مساره.
ربما السبب التسويف، أو عدم بزوغ فكرة الاتحاد أو العمل عليه بجدية، أو لأن ردود الأفعال تتحكم في قرارات المجلس لا الأفعال، أكثر من سبب ولكن تسارع الأحداث الدولية سبب إفاقة للحلف الخليجي المريض بداء الخمول حتى تركه المجتمع الدولي معلقاً وعقد قراناً مع إيران!
إيران لديها مشروعها، وقد بينت موقفها جلياً من ثورة سوريا وأرسلت مقاتلين من الحرس الثوري لدعم نظام الأسد، وتقاتل لإنجاح جنيف2، وتتصدر «لوبي» عريضا لمنع أي حكم «سني» قيادة سوريا هذا إقليمياً.
دولياً أنفقت كل جهد للتقارب مع العالم الذي يمتلك القرار في المنظمات الدولية الذي نبذها على خلفية ملف المفاعل النووي ومارس عليها كل عقوبة حتى عزلها فجاءت برئيس سوقت انفتاحه ورغباته بالإصلاح ونجحت فتم إعلان العودة للحاضنة الدولية.
إعلان مفاجئ بالنسبة للخليج فقط بينما إيران تعمل بخطة لا بالصدفة وردود الأفعال مثلنا معنا ومع الغرب والمجتمع الدولي، وما مواقفها من سوريا وضلوعها في فوضى البحرين مثلاً لا حصراً، وقبل ذلك احتلالها الناعم للقرار العسكري اللبناني عبر حزب الله إلا تنفيذاً لنظرية لاريجاني «أم القرى» والتي تعتمد على أذرع دينية سياسية عسكرية وها هي تنجح أمام حلف خليجي يتحلحل.
إيران تمتلك دعوة دينية وهذا خطاب الشعوب العاطفي الناجع دائماً للتعبئة، ولديها الطاقات الشيعية المبايعة للفقيه في الخليج، وتمتلك ميليشيا تبتز عبرها الأنظمة ولدعم مشروعها التوسعي رسختها في لبنان والعراق والآن تعمل على سوريا، ذلك إضافة للخلايا النائمة الناعمة حتى حين من اقتصاديين وسياسيين وإعلاميين في دول الخليج، وغيرها من المعطيات الجلية وتعامى عنها «الكرش» الخليجي الراكن الذي يراهن على ماذا في أمنه وبقائه؟ لا نعلم!
مشهد آخر لعدم التعاون في مجلس التعاون الخليجي، انقسام قرارات مجلس التعاون في أهم قضايا عصفت في الإقليم منذ 2010 ثورات الربيع العربي، حيث صمتت عمان وأيدت قطر الشعوب وأيدت البقية بقاء الأنظمة الحاكمة، وبدأ يلوح مشهد جديد، كل دولة في الحلف الخليجي تبحث عن مصالحها، أما الكويت فتتبع الترضيات والمجاملات!
يبدو أن البعض يخشى التغيير ولا يريد البدء من جديد مع رؤساء جدد فاتبع الطريق الأسهل جز الشعوب ليبقى الحكام!
ولا ننسى احتلال أميركا للعراق بمسمى «إسقاط نظام صدام الجائر» واستبدال النظام السني الحاكم بشيعي حليف موال شاكر ليد امتدت له وهو غريق في سجون ظلم صدام واضطهاده للشعب من شيعة وسنة وكرد، لتصبح طبقة حاكمة لم تتعظ من القهر فاستخدمته مع السنة حصرياً.
ثم جاء إعلان عمان عدم الموافقة على الاتحاد الكونفيدرالي الخليجي مستخدما أقوى ألفاظ الدبلوماسية وهو «التهديد» بأنها في حال إعلان الاتحاد ستنسحب من مجلس التعاون، أظنه خيرا للمجلس ليعرف ما هو عمود التحالف، فعمان تدين بالأباضية القريبة بتعاليمها من المذهب الشيعي.
ليتعلم الخليج أن استمرار الأحلاف والتكتلات الناجحة تقوم على مرجعية دينية مثل «الاتحاد الأوروبي – المسيحي» الذي ماطل تركيا لعقود في الموافقة على انضمامها لعضويته حتى صرحت بعض الدول أن ما يمنع موافقتها مرجعية تركيا الإسلامية.
الدين عمود التكاتف بين الأمم، والتجارب والدماء والخسارات أثبتت ذلك فمتى نتعلم؟!
لقد آن للخليج إعلان حلف يتخطى المكان ويستند لدول قوية عسكرياً واقتصادياً وسياسياً مثل تركيا، لا لتكون عبئاً وعالة على ثرواته على حساب شعوبه مثل الأردن، على أن تكون ذات مرجعية دينية متسقة معه وهي «الإسلام السني» (مع تحفظي على صحة المصطلح فلا يوجد إسلامان ولكن الفرقاء السياسيين أحدثوها فاضطررنا لاستخدام المصطلح تجاوزاً لا تأييدا).
يجب أن نترك مشروع الخليج العربي الذي ما زال يسميه البعض «فارسيا» ويدعم أن يتحول الاسم إلى حقيقة، وأن نتوحد تحت حلف يتجاوز الجغرافيا إلى التاريخ.