كتاب سبر

خطوبة الاتحاد العصماء

أطول فترة “خطوبة وحدوية” فى تاريخنا المعاصر، هي فترة خطوبة “الخليج”، و”الوحدة”، أو ما يسمّى بالاتحاد الخليجي. 
فى الثمانينات كانت البداية، يومها لبس خليجنا الوحدة “الدبل والشبكة ” وطلب فترة بسيطة ليكوّن فيها نفسه “ويجيب العفش والشقة ” – كما يقول المصريون -، وطال بعدها انتظار الوحدة، وطال حتى قصرت أمام طوله ثياب الأمانى وصارت لا تستر عورة حلم ولا تدفئ عظام “هقوة”!.
بعدها انتهت “هوشة” إيران والعراق، وشرب الخمينى السم، ومات، وشرب صدام المقلب وعاش، إلى حين، وقتها رنّ تلفون الخليج وكانت الوحدة على الخط الآخر تهمس له: “ألو يا أمم الخليج، متى نحدد العرس إن شاء الله؟”.. فردّ الخليج: هانت يا حياتي.. على فكرة سمعتى آخر أوبريت قلته فيك ههههههه!”.
وبعد الـ”ههههه”، بدأت الآهات، دخل صدام الكويت “محتلًا”، ليخرجه العالم منها “أحولاً”، يجر أذيال الخيبة، وقتها أيضًا كان ثمر الوحدة يانعًا وقد حان قطافه، ولمَ لا؟ وهى بكامل تألقها و”فول أوبشن” زينتها، الكحل يملاَ أهداب عين حقيقة المصلحة المشتركة، والعطر مسك شهداء فاح نخوة على أرض الكويت، والجيّد يزيّنه عقد “جاهز للتوقيع”، ولا يحتاج إلا إلى إمضاء بسيط حروفه “ألف” مشاركة شعبية، و”باء” إصلاحات سياسية واقتصادية، و”تاء” جيش موحّد يحرس بريق الحمى الذهبي 24  قيراط.
انتظرت الوحدة طويلاً ولم يتصل الخليج فرفعت هي “التلفون” وهمست: “النظام العالمي الجديد بدأ يتكلّم بعلاقتنا يا خليج، أنت تبينى ولا ما تبيني؟ فيرد الخليج: “طبعًا، طبعًا أنت المنى والأمل يا وحدتي.. وعلى فكرة حجزت لنا بيت العمر فى مشروع الشرق الأوسط الجديد، وكلها أيام لا تحاتين هههههههههه”.
وبعد الـ”هههههههه”، مرّت فصول الأحداث تمشي الهوينى، ذابت ثلوج الحرب الباردة وبدت هدير سيول البريسترويكا يجرف مدائن وقرى “ذوي ماركس وربعه ، ونفخت الراسمالية هواء الخريف من فمها، لتطفئ شمعة عصر ذاهب ولتتساقط أوراق البنكنوت الخضراء من على أشجار الاقتصاد وتجمع داخل سلة العولمة، عندما أتت سموم صيف اللواهيب فى بداية الألفية، وصدمت الجميع، سقطت أبراج التجارة ليتلوها سقوط طالبان فى افغانستان وارتفاع “الطالباني” وحليفه “المالكي” فوق مقعد الرئاسة فى العراق، ليشاهدا من هناك كرات طاغية البعث وهي ترتفع فى الهواء لتسقط أخيرًا فى الحفرة التى رسمها مضرب لاعب الغولف العالمي بحرفنة.
مات الشتاء عطشاً، وتجمّد الصيف فوق درجة 50 سيليزى، وخرج الخريف مخرفًا ولم يستدل على عنوانه، وهبّت نسائم الربيع، وانشغلت البساتين العربية بين ورد تفتح وفاح شذاه، وورد كفن عبقه الوليد وأخذ يتلو الفاتحة على روح شهد “نحل الحرية” الذي اتخذ من “جبال الكرامة” بيوتًا، حينها خرجت دبابير الضفة الأخرى وهاجت فى وجه ضفتنا وأخذت تحوم وتزن لخراب عش حلم وحدتنا، تنظر إليه وهى تمضع ثلاثة “جزر” وتستطعم الماء في فم طوائفه ثم صارت تتدخل فى لون أبوابه، ونوع المقابض ونسخ المفاتيح، ثم راحت تسأل عن حجم نوافذه المطلة والغير مطلة وعن قماش ستائره وطولها وعرضها، وعن ارتفاع سوره وعن نغمة جرس بابه، بل وأحيانًا كانت تسأل عن… “اسم الأم”.
تدخلت الدبابير فى ما لا يعنيها فلقيت والله ما يرضيها وزيادة، فبيوت الاتحادات لا تقوم على “خطبة” عصماء، كانت أو بتراء، ويا وحدتنا لا تفرحين بالعرس ترى طلاق الواقع باكر، وخليجك مازال يعد ويعد ويمنيك ويمنينا ولا يفي بوعده، حتى كبرت أنت فى أحلامنا فقط، ولم  يبق من أسنان أمانيها فيك إلا… سن اليأس.