أقلامهم

فيصل أبوصليب: معظم دول الخليج كما عمان التي أعلنتها صراحة لا تريد الاتحاد.

الاتحاد الخليجي.. بين الواقع والمأمول
د. فيصل أبوصليب
-1
 منذ تأسيسه في العام 1981، واجه مجلس التعاون الخليجي الكثير من التحديات، الحرب العراقية الإيرانية، وتداعياتها، والغزو العراقي للكويت وتحريرها، والتطرف الديني، وحرب إسقاط نظام صدام، وثورات الربيع العربي ونتائجها وانعكاساتها، والتدخل الإيراني في البحرين، وأخيرا التقارب الأمريكي الإيراني، الذي جعل فكرة الاتحاد الخليجي ملحّة أكثر من أي وقت مضى لدى دول الخليج، أو على الأقل البعض منها، أو بشكل أدق لدى السعودية، صاحبة الفكرة، والتي تحاول الضغط باتجاه تحقيقها، خصوصا بعد التطورات الأخيرة في المنطقة، وواقع الأمر يشير إلى أن سياسة المملكة الخارجية عانت ارتباكا واضحا وغير مسبوق خلال الفترة الأخيرة، ولم تنجح في تحقيق أهدافها في كثير من الملفات، في لبنان خصوصا بعد اغتيال الحريري، وفي سوريا، خصوصا بعد التراجع الأمريكي عن التدخل فيها، وفي مصر عندما أيدت انقلابا عسكريا مازال يعاني من الفشل الواضح، والذي أدى إلى اختراق المحور التركي المصري، وإحداث فجوة واضحة بين تركيا من جانب ومصر والسعودية والإمارات من جانب آخر، وأدى إلى تراجع في الدور التركي في المنطقة والذي كان من الممكن أن يعمل على موازنة النفوذ الإيراني. ومن يدرس سياسة المملكة الخارجية، يجد بأن التأني والخطوات المدروسة كانت هي السمة الرئيسية فيها، وهو الأمر الذي غاب بشكل واضح في الفترة الأخيرة، خصوصا  في الموقف المتسرع الذي اعترف بانقلاب عسكري في مصر كانت له نتائج سلبية في المنطقة. 
وحقيقة الأمر بأن معظم دول الخليج، كما هي عمان التي أعلنتها صراحة، لا تريد الوصول إلى صيغة الاتحاد، لأن هذه الدول تعتقد بأن المنظومة الخليجية بصيغتها الحالية قادرة على تحقيق أهدافها، من خلال التنسيق المشترك، وأن استمرارية عمل المجلس طوال هذه الفترة يعتبر نجاحا في حد ذاته، والذي قد لا يستمر إذا ما تم الاستعجال في القفز على المراحل والوصول لشكل الاتحاد. كما أن الدول الصغيرة كعادتها، ومن بينها الكويت، تتخوف كثيرا من الصيغ الوحدوية، لأنه سيكون للدول الكبيرة فيها القيادة السياسية، وتتحول هي لدول تابعة، والأمر المتوقع في مثل هذا الاتحاد المقترح أن تكون القيادة فيه للسعودية، ودول الخليج في واقع الحال، وان التقت مصالحها وأهدافها المشتركة، إلا أنه يبقى أنّ لكل دولة منها ظروفها الداخلية المختلفة، ومصالحها الوطنية الذاتية، والتي قد لا تتفق مع مصالح الدول الأخرى في نفس المنظومة. 
ويبقى بأن نشير إلى أنه من بين أهم المعوقات أمام تحقيق هدف الاتحاد بين دول مجلس التعاون، هو عدم وجود أرضية سياسية صلبة مستندة على وجود نظم مؤسسية في هذه المنظومة، فباستثناء الكويت التي توجد فيها درجة مقبولة من العمل السياسي المؤسسي، نجد بأن بقية دول المجلس تعتمد على النهج التقليدي والفردي في الحكم، الأمر الذي قد يكون له انعكاس سلبي على خصوصية النظام السياسي في الكويت، في حالة تطبيق الاتحاد، ووجود أرضية ديمقراطية مشتركة كان في حقيقة الأمر من بين العوامل التي أدت لنجاح نموذج الاتحاد الأوروبي قبل وجود المصالح الاقتصادية المشتركة بين دولة. 
لذلك فإن دول مجلس التعاون عليها، قبل تحقيق هدف الاتحاد الذي قد يكون شكليا، أكثر من كونه جوهريا، أن تعمل على تأسيس قاعدة سياسية مشتركة قوامها الحكم الديمقراطي المشترك والمشاركة الشعبية وحرية التعبير ووسائل الإعلام والشفافية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون وضمان حقوق الإنسان، وأن تعمل على التركيز على إيجاد أرضية اقتصادية مشتركة تساهم في تحقيق الاعتماد المتبادل بين هذه الدول، قبل القفز إلى خطوة الاتحاد، والتي قد تكون في واقعها ردة فعل متوترة على التطورات الأخيرة في المنطقة، أكثر من كونها خطوة مدروسة ومحسوبة النتائج. 
 
رئيس وحدة الدراسات الأمريكية