أقلامهم

فهيد البصيري: اتركونا على مجلسنا الحالي لكي ترهبون عدوكم، تنديدا من هنا واستنكارًا من هناك.

حديث الأيام / خلونا على البطاقة
د. فهيد البصيري
طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، ونحن والحمد لله قطعنا في طريق الاتحاد الخليجي 34 خطوة ولم يبق إلا 966 خطوة فقط! 
ومشكلة دول مجلس التعاون ليست في عدد الخطوات المتبقية بل في أننا نتقدم خطوة ونتأخر خطوتين، وآخرها تصريح وزير الخارجية العماني الذي حرك المياه الراكدة وصعق الحالمين بالوحدة الخليجية، وللأمانة فإن الوزير لم يأت بجديد فهو يتعامل مع مجلس التعاون الخليجي كما تتعامل معه بقية الدول الخليجية، إلا أنه أكثر واقعية وأنصع شفافية من غيره، وما قاله الوزير ينطلق من فلسفة واضحة لديه، وهي أن مصلحة عُمان قبل كل شيء، ولو كان هذا الشيء هو مجلس التعاون الخليجي، وهو منطق طبيعي، وقصة السياسة العمانية طويلة وفريدة، وستأخذ من وقتكم الكثير لو سردتها عليكم، ولكن ما يؤلمني هو أن يخرج احد المحللين والذي يُعد مفكرا يشار إليه (بالبنان) ويقول: إن سبب عدم موافقة عمان على الاتحاد الخليجي هو لأنها على المذهب (الأباضي) و(الأباضية) فرع من فروع الشيعة! ثم يوشوش في إذن المذيع ويقول: وبيني وبينك إن عمان – بصفتها دولة عظمى طبعا – هي من توسط لإيران عند شقيقاتها الدول الكبرى لكي تسمح لها بمواصلة بناء مفاعلاتها النووية! 
وتصحيحا لأخينا المفكر المتنكر فإن (الأباضية) بحسب الكتب التاريخية طائفة مستقلة تعود جذورها للخوارج وليس لها علاقة بالمذهب الشيعي، وعمان اليوم دولة عصرية وليس لها علاقة بالمذهبية بتّةً وبتاتا، أما لماذا عُمان دائما متفردة في قراراتها فهذه قصة أخرى. وسيرة التاريخ السياسي لعمان تختلف عن ِسيّر التاريخ السياسي العربي كله، والسبب هو موقعها الجغرافي المتميز، فوجهها على المحيط الهندي وقفاها على الربع الخالي، وقد خلق هذا الموقع احتكاكا تاريخيا طويلا مع ايران، وصنع لها إرثا من العلاقات معها يوازي علاقتها مع الدول العربية وربما أكثر، أما علاقتها مع التاج البريطاني فهي أيضا قديمة ومتينة، وستستمر ما بقي مضيق هرمز على الخارطة. ولذا هي في شأن يغنيها، وليس لديها استعداد للدخول في اتحاد غير محسوب العواقب.
والاتحاد الخليجي الذي ينادي به الكثيرون، دون أن يوضحوا، كيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ ليس لعبة سياسية تستخدمها اليوم وتتبرأ منها غدا، بل مسألة معقدة وطويلة، يسبقها تكامل اقتصادي مدروس، وتنتهي بتجانس سياسي معقول، يضمن عدم تضارب المصالح بين هذه الدول، ويكفل الحرية والعدالة لشعوبها.
وهذا الأمر يحتاج إلى كثير من التنازلات بين حكومات الدول الخليجية، وحاشا لله أن أقصد التنازل للشعوب، فنحن متنازلين لهم عن كل شيء. وهذه التنازلات ليست لأحد على حساب أحد، بل تصب في مصلحة الجميع، بحيث تصبح الأمانة العامة لمجلس التعاون (لا سمح الله) بقوة الحكومة الفيدرالية الأميركية. وهو أمر لن يتحقق ولو أطبقت علينا دول العالم كلها. 
والكمال لله وبعض الشيء أحسن من لا شيء، واتركونا على مجلسنا الحالي على الأقل لكي ترهبون به عدو الله وعدوكم، وتنديدا من هنا واستنكارا من هناك أفضل من السكوت عن الحق، وتبرعا لهذا وتبرعا لذاك، يؤلف القلوب ويقي مصارع السوء، وللأمانة السفر بالبطاقة أريح من السفر بالجواز، و(كاونتر) مجلس التعاون الخليجي، اخف على النفس من (كاونتر) الأجانب، فإذا كنتم ولا بد متحدين، فاللهم سخر اتحادنا لنا ولا تُسلطه علينا.