أقلامهم

وليد الرجيب: العمل السياسي يعيش على إرث الزعامات والتابعين.

أصبوحة / تحديات الثورة المصرية
وليد الرجيب
الآن وبعدما انتهت لجنة الخمسين من إعداد الدستور المصري في الوقت المحدد تقريباً حسب خارطة الطريق التي وضعت بعد موجة 30 يونيو الثورية، رغم النقاشات الطويلة والحادة والاعتراضات حول عدد من مواده.
فإن القوى الوطنية والتقدمية التي اكتسبت تمرساً على أرض الواقع، ترى أنه رغم التعقيد الذي يشهده الوضع السياسي الآن، ورغم مناورات الأخوان المسلمين وحلفائهم لتوسيع قاعدة رفضهم لثورة 30 يونيو ولخطوات المرحلة الانتقالية، ورغم ممارسات الحكومة «المرتعشة والضعيفة» والتي أكدت القوى الوطنية والتقدمية من اللحظة الأولى على «أنها ليست حكومة ثورية» بل هي حكومة تعبر في أغلبيتها عن اليمين الليبرالي وتوجهاته الاقتصادية والاجتماعية الرافضة لتحقيق المطالب العاجلة للكادحين والفقراء، وخاصة إصرارها على إصدار قانون التظاهر وتم تحذيرها من مخاطر إصداره لأنه يعبر عن رغبة أطراف عديدة في نظام مبارك بالممارسات القمعية للدولة البوليسية، بسبب خوفها من استمرار نضال الجماهير وبالأخص الكادحة من أجل حقوقها المشروعة التي ثارت من أجلها، وتؤكد على ضرورة استمرار النضال من أجل اسقاط هذا القانون الذي يقيد حق التظاهر بدلاً من تنظيمه، وضرورة الاسراع في تنفيذ أهداف المرحلة الانتقالية وأولها إنجاز دستور مدني ديموقراطي يؤكد على الحقوق والحريات السياسية للمواطنين والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال والفلاحين والكادحين.
ورغم تحفظ القوى الوطنية والديموقراطية واليسارية على بعض مواد الدستور مثل محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري رغم تعديل المادة بشكل أفضل، وكذلك تحفظها على الامتيازات الممنوحة للقوات المسلحة في الدستور، إلا أن هذه القوى قررت دعوة المواطنين للتصويت بـ «نعم» لهذا الدستور في الاستفتاء عليه، لأنه يعتبر متقدماً بشكل كبير على كل الدساتير السابقة وخاصة في مجال الحقوق والحريات الأساسية، وكذلك بالنسبة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحقوق المرأة والأقباط والتزام الدولة بمواثيق حقوق الإنسان الدولية التي صادقت عليها الحكومة المصرية وغيرها من المواد التي تؤكد على مدنية الدولة وحقوق المواطنة.
كما دعت القوى الوطنية والتقدمية لتشكيل تحالف من الأحزاب اليسارية والناصرية والحركات السياسية والشبابية لمواجهة قوى اليمين الليبرالي بكل أجنحته الساعية للإبقاء على النهج النيوليبرالي منذ عهد مبارك، وأكدت على ضرورة توافق القوى الديموقراطية والوطنية على مرشح رئاسي واحد على أساس برنامج وطني ديموقراطي يحقق أهداف ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ومواجهة تحالف الأخوان والفلول للإبقاء على النظام الاقتصادي الاجتماعي السابق.
ولكن هناك تحديات أخرى تواجه القوى الوطنية والتقدمية منها القوى الثورية المراهقة التي ترفض الدستور جملة وتفصيلاً وتغيّر تحالفاتها بين الحين والآخر، كما تواجه مشكلة بعض القوى الليبرالية التي تركز على الديموقراطية السياسية ولا تكترث بالديموقراطية الاجتماعية، وتواجه كذلك عدم ثقة الجماهير الشعبية البسيطة في قوى الثورة، فما زالت هذه الجماهير تبحث عن شخصية الكاريزما المخلّص «السيسي»، الذي قد يتحول من بطل في وضعه الحالي إلى ديكتاتور محتمل عندما يصبح رئيساً، وستعمل على توعية الجماهير بهذه الحقيقة لكنها لن تقف في وجه الجماهير ورغبتها.
والوضع المصري يذكرنا ببعض ما يحدث في الكويت، فبعض القوى التي لا تؤمن بالديموقراطية تريد نسف دستور 1962 بحجة تجديده، كما مازال العمل السياسي يعيش على إرث الزعامات والتابعين التي لم يعد لها وجود، وذلك بسبب تشتت وضياع قوى المعارضة وعدم انسجامها ورؤيتها لطبيعة الاصلاح والتغيير المطلوبين وعدم فهم ضرورة العمل الجماهيري وتقديس العمل البرلماني والقانوني.