آراؤهم

براءة الأطفال في عينيه

منذ أن ترك مقاعد الدراسة، عمل جاهدًا لإنقاذ أسرته من ذل السؤال والحاجة إلى الناس.. فالأب من المحاربين القدامى إلا أنه لا يعمل منذ فترة طويلة، والأم عاكفة على تربية أبنائها في المنزل، ولكنها حاولت العمل مرارًا، فلم تفلح في توفير ما يسد رمق أسرتها فضلًا عن كلفة السكن الشهرية التي تكتوي منها العائلة كل ثلاثين يومًا، وسرعان ما يأتي الشهر الجديد منذرًا ومتوعدًا المتخلفين عن سداد المستحق!
الزوج: يا أم عبدالله. 
الزوجة: نعم يا أبا عبدالله.
أشعر بغصّة شديدة وأنا أرقب ذلك الولد العنيد، إنه يترك دراسته ويضحي بمستقبله من أجلنا، وأنا لا استطيع منعه، بل لا أملك القرار. تعبت .. تعبت.
“طريد الحياة ألا تستقر؟ ألا تستريح؟ ألا تهجع ؟” 
– اذكر الله وصل على النبي. 
– لا إله إلا الله، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد.
يدخل عبدالله فرحا مسرورا في المساء، يلقي السلام على والديه وإخوته، وهو يحمل أكياس الفاكهة والحلوى.

– بارك الله فيك يا عبدالله، ترهق نفسك كثيرًا.
– أبي، لا تقل ذلك أرجوك.
 
يصلي العشاء جماعة مع والده، ثم ينام مبكرًا.

في صباح يوم جديد يخرج عبدالله بكل تفاؤل واستبشار برزق وفير، يمر في طريقه بمدرسته وكأنه عاشق ولهان يقف على أطلال محبوبته، تسقط دمعة خاطفة على خدّه، يمسحها بسرعة، كي لا توهن من عزيمته، ولكن الحنين يعاوده لأصحابه، لألعابه، لفرصته، لموعد ( الهدّة)، للعطل الطويلة والقصيرة.. فتسقط دمعة أخرى يعالجها.. ينهرها .. يزجرها.. تسندها دمعات ودمعات تنهمر حارة حارقة، اتئد أيها القلب! 
يلملم طاقته، يجمع أطرافه، يستجمع قواه ثم يكمل طريقه، يصل إلى مكان عمله (رصيف أحد الشوارع الجانبية).
الجو جميل والسماء صافية، يرنو إلى السماء: اللهم رزقًا رزقًا.
بكم هذه؟ زبون عجل! بدينار، وهذه؟ وتلك؟ … تتهلل أساريره، ويبدو على محياه السرور بيوم مبارك. 
لا يدري ماذا تخبئ له الساعات القادمة؟! 
يا ويلتاه! إنهم قادمون! 
ماذا تفعل أيها المجرم؟ 
الأم قلبها يخفق على غير العادة. 
– يا أبا عبدالله، أشعر بضيق وخفقان.
-مابك؟ 
– لا أدري، تأخر عبدالله. 
– رنين الهاتف يقطع قول كل خطيب. 
– الأب خاطفا السماعة! 
– أبتاه.
– أين أنت؟ 
– في المخفر. 
– محكمة، الجميع وقوفا. 
– ماتهمتك يا بني؟ 
– العيش الكريم سيدي القاضي.
– القاضي: براءة الأطفال في عينيه!!

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.