سبر القوافي

سكرةُ الوداع

إنّه ديسمبر.. تقول سعدية مفرّح: ”لديسمبر سطوتهِ الجبارة على مشاعرنا. كيف لم نفكر بهذا من قبل ونحن نُودِّع العام تلو العام من بوابةِ هذا الشهر المتجبِّر؟“
في ديسمبر؛ نُمارس طقوس الوداع إجباراً فآخر شهور السنة كما قُدّر له سينتهي وُينهي معه عاماً كاملاً بخيباتهِ وانتصاراته.. وربما علاقاته!
ولأنّ « توديع الأحباب مثل الموت له سكره » -كما يقول متعب التركي- فأنا أؤمن أنّ الوداع كما الموت وهو الموت أحياناً.. هو حق لأنفسنا نُحصّن به تلك الأشياء الجميلة التي أسعدتنا.. حتى تظل تُسعدنا.. حتى لا تُشقينا..! 
ونشقى.. حين نعوّل كثيراً على الحُبّ فنُعطي الآخر فرصاً كثيرة لنُنقذ علاقتنا بهِ لكنّه يُهدرها.. وكل فرصةٍ مُهدرةٍ كانت تخطُ أثرها على جدارِ القلب لتُذكرنا بالخيبةِ ولِتُقرّبنا أكثر مِن الهلاك؛ وما كُنّا لِنهلَك لو أننا ودّعنا بالوقتِ المناسب، لو أننا لم نُحمِّل قلوبنا ما لا طاقةَ لها به.
والوداع ليس تلويحةٌ باليد ولا قطعٌ لحبلِ الوّد، هو قرارُ إبعادٍ قلبيّ؛ أن تُطلِق منْ أحببت وتودِعهُ القدر ليسكنَ في قلبٍ آخر غير قلبك ولا تبالي!
ودِّع.. قبل أن تفقد صبرك، قبل أن تبكي عمرك، ودِّع.. حتى لا يمتلئ قلبك بالكره تجاه منْ ملأه حباً.. ودّع حتى تسعد فبعضُ الوداع نذير سعادة.
وبعد الوداع؛ أغلق أذنيك عن مواساةً كاذبةً تصوّر لك أنّ الآخر سيعيشُ جحيماً بدونِك وأن اللعنة ستُطارده عُمراً وأنّك بجميلِ أثرِك ستُخلَّد في ذاكرتهِ، وأنّ الآخر هو الخاسرُ الأكبر لأنّه لن يجد مثلك والواقع أنّ من يرحل قد يجد الأفضل والأجمل و«الأنسب»..!
يبدو ذلك صعباً ولكنّ الأصعب في الوداع أننا بعده نخوضُ معركةً عنيفةً مع الأشواق.. المنتصر فيها « مهزومٌ » بطبيعةِ الحال غير أنّ هزيمة الأشواق أسلمُ للقلب حتى لا يتوجع ثانية.. حتى لا يموت..!
*قبل انقضاء العام:
ثمّة قلوب ودّعناها بوّد لنحتفظ بجمالها ونسعدُ به، فكلُّ عام وهذه القلوب أسعد.. وأبعد.
تويتر @Altaf305