آراؤهم

الحراك الكويتي .. نظرة في العمق !

كيف بدأ الحراك الكويتي ؟ كيف تطور ؟ ما هي دوافعه ؟ ما هي أسباب تراجعه ؟ وما هي جدوى الحراك الكويتي ؟ هذه أسئلة يجب أن تكون محل إهتمام كافة أطياف المجتمع الخليجي والعربي سواء من سياسيين أو إقتصاديين أو غيرهم والمهتمين أيضا بالبحث العلمي في مجالات علوم النفس والإجتماع.
أن لست مِن مَن يصف الكويتيين بـ”الهبه” عندما يتحدث عن سبب توقف الحراك في الصيف وإسئنافه في الأجواء الجميله ، ولست أصفه بالترف الإجتماعي عندما أتحدث عن جعل المسيرات في غير عطل نهاية الأسبوع “الويكاند” لأن الناس وقتها سيكونون في شاليهاتهم ومخيماتهم و “مو فاضين” على حد قول البعض. إلا أن ما سبق ذكره مشاهدات حيه يجب أن تكون محل تحليل مهني حيادي.
تمهيد:
إن سنن الله عزوجل سارية المفعول في كافة شعوب الأرض ، ولو مر الشعب الياباني في نفس الظروف والمعطيات التي يمر فيها الشعب الكويتي لحمل ذات الأفهام والتوجهات التي تكون المجتمع الكويتي، إن الإنسان واحد بتكوينه النفسي والعضوي إلا أن إختلاف شعوب الأرض إختلاف ظروف ومعطيات. لذا من المهم حينما نتحدث عن الحراك الكويتي أن نكف عن إلقاء اللوم على الإنسان الكويتي والتقليل من شأنه لنصبح أكثر توازناً في تحليل الوضع الكويتي الجدير المعاينه والتحليل.
الحراك الإجتماعي ودوافعه:
من المتفق عليه في علم النفس أنه “لا سلوك بلا دوافع” وهي أحد قواعد علم النفس وعلم الإجتماع، ليس هذا فقط بل إنه في الفيزياء  تنص قوانين نيوتن الثلاثة للحركة على الأمر ذاته، الأمر الذي يجعلنا نتسائل عن دوافع الحراك الكويتي، وبما أن كل سلوك يتلون بلون دافعه فإن الحراك الكويتي الذي يختلف عن الحراك المصري (مثلاً) يتميز بلاشك بدافع مختلف. إن الخلط بين مختلف انواع الحراك العربي يجعلنا لا نفهم كل حراك فهماً صحيحا والذي ينعكس على توصلنا الى قراءات خاطئه وبالتالي توقعات خاطئة.
وبعيدا عن الخوض في الأيدولوجيات والتوجهات العامة لمختلف أطياف الشعب نحتاج أن نعود للوراء لنفهم الدوافع النفسية للشعب الكويتي والتي تتحكم في سلوكياته حتى نكوّن فهماً عميقا حول الحراك ، هذه مهمتنا في هذا المقال ، لكن سنعود مره أخرى في مقال آخر لنتحدث عن حالة ذوبان هذه السلوكيات في قالب التوجهات الفكرية والدينية التي أنتجت لنا مشهد سياسي مضطرب نعيش تفاصيله بكل ألم.
إحتياجاتنا سر دوافعنا:
كثيرة هي النظريات التي تتحدث عن الدوافع والإحتياجات التي تتحكم في سلوك الإنسان، معظمها تتفق في المضمون وإن إختلفت في الشكل . منها ما وضعه عالم النفس إبراهام ماسلو والتي أسماها بنظرية “هرم ماسلو للإحتياجات”، وهذه الإحتياجات هي دوافع السلوك، حيث رتب ماسلو إحتياجات الناس الى خمس مراتب على النحو التالي:
الحاجات الأساسية “الفسيولوجية”: يبدأ كل إنسان في التفكير في إشباع حاجاته الأساسية أولا من أكل وشرب وجنس، و في غالب الأحيان لن يستطيع أن يفكر في شيء ما دام جائعاً .. ألخ. فهي أولى الأولويات.
الحاجة للأمن: يأتي فيما بعده الحاجة الى الأمن بإختلاف ألوانه، الأمن من الجرائم والأمن الوظيفي وغيرها. وتأتي في المرتبة الثانية من أولويات الإنسان. لذا فالإنسان الذي حياته مهدده بالجوع لن يهتم بالأمن حتى يجد ما يسد جوعه أو أن يكون جوعه مدعاة لزعزعة الأمن من خلال السرقه والإعتداء وغيره، لذا فإشباع الحاجات الأساسية مقدم على إشباع الحاجة للأمن.
 الحاجات الإجتماعية “الإحساس بالذات”: الإنسان الذي يعيش في وفرة من الأكل والشرب ويستطيع الزواج ، ويعيش في مجتمع يحس فيه بالأمن، تولد عنده حاجات آخرى ككائن إجتماعي بطبعه، لذا فهو الآن في مرحلة الحاجة للإنتماء والقبول وإقامة علاقات وصداقات. لكن لن تهمه العلاقات الإجتماعية والصداقات حينما ينعد الأمن.
الحاجة للتقدير: إن الإنسان الذي تمكن من إقامة علاقات إجتماعية وصداقات سيتولد لدية شعور بأهمية وجوده الإجتماعي لذا سيسعى الى الإنجاز الشخصي وتحقيق مكانة إجتماعية يشعر فيها بذاته وتميزها وتقدير الآخرين له.
الحاجة لتحقيق الذات: كل من تمكن من تحقيق مكانة إجتماعية مرموقه سيجد نفسة منهمكاً بالبحث عن السلطة والنفوذ وتحقيق الذات من خلال إستغلال قدراته ومنصبه.
لكل إنسان أولوياته الخاصه الأمر الذي يقتضي الترتيب إذا ما تحدثنا عن تسلسل هرم ماسلو، لكن ليس بالضرورة أن يتحرك كل الناس في هذا التسلسل من أجل تحقيق إحتياجاتهم ، لكن من خلال التجربة والتأمل ستجد أن أغلب الناس يسيرون في تلبية إحتياجاتهم على هذا النحو الذي ذكره ماسلو. إذ من الطبيعي أن الجائع لن يفكر في النفوذ والتسلط وهو لا يملك قوت يومه وهلم جراً. لذا فإن الدافع الذي يولد منه السلوك يتكون من هذه الإحتياجات .
ومن المهم قراءة الحراك الكويتي ودوافعه على ضوء هذا الفلسفة. إن الإحتياجات النفسية الفردية تتجمع في شكل قالب إجتماعي يحمل دوافع أفراده ، فحال الأفراد ودوافعهم الذاتية حينما يتحركون في قالب إجتماعي، هو حال قطرات المطر التي تشكل سيل هادر. لذا إدراك الأمر على الصعيد الشخصي يضيء الطريق لفهم أي حراك إجتماعي وإن بدا معقداً.
ماهي دوافع “الحراك الكويتي”؟
هل الشعب الكويتي جائع لا يجد قوت يومه ؟ هل الأمن منعدم سواء ضد الجرائم أو الأمن الوظيفي ؟ هل المعيشه قاسية الى درجة أن المواطن الكويتي لا يمتلك متسع من الوقت ، الأمر الذي يمنعه من إقامة علاقات إجتماعية كثيرة ؟ بلا شك أن جواب هذه الأسئلة الثلاث هي “لا ، لا ، لا ” ، ليس لأن الحكومة الكويتية تعمل بكفاءه على تلبية هذه الحاجات الثلاثه بل لأن النفط ستار العيوب، لذا فإن إحتياجات المواطن الكويتي التي لاتزال قيد الإشباع تقع في الدرجة الرابعه والخامسه إن وفقنا في إدراك ذلك.
إن الحاجة للإحساس بالذات والتقدير تعني الرغبة في الإنجاز والتميز والرقي على المستوى الشخصي والذي ينعكس أيضا على المستوى الشعبي، وتأتي مسألة محاربة المفسدين (أعداء داخل البلاد فقط) جوهر الحراك ولبه لأن هؤلاء المفسدين يُعتقد أنهم حجر عثرة أمام النهضة الكويتية التي يطمح لها الحراك وشبابه. إلا أننا نلاحظ أنه ليس في أجندة غالبيتهم محاربة أمريكا المستعمر الأول والأب الروحي والمتحكم في الخليج العربي وسياساته ، يغفل الكثير عن هذا الأمر لأنها ببساطه لا تقع ضمن دوافعهم النفسية البسيطه!
ملامح الحراك الكويتي:
إنطلاقا من قراءات في عمق النفسية التي يتحرك بها منتسبين الحراك وعموم الشعب الكويتي نلاحظ بعض المشاهدات الغريبة التي سندرك فيما بعد أنها أحد إفرازات هذه الدوافع العميقه، ونوجز بعض الملامح العامة للحراك الكويتي وتفسيرها في ما يلي:
مزايدة النواب السابقين أو الشباب الطامحين في رفع سقف الخطاب ذا الملامح الإنتخابية والذي لا يحمل مشروعا واضحا، أن مثل هذا الأمر يتحرك في نفس درجة الإحتياجات التي تكلمنا عنها “الإحساس بالذات والتقدير” و”تحقيق الذات”. هذه المزايدات تقع في فلك التكسبات الشخصية البحته. 
ينزعج البعض من طريقة تعامل أقطاب المعارضة مع بعضهم البعض وصراعهم على القيادة ، وهذا طبيعي حيث أن الغالبية يعيش في مرتبة “الحاجة للتقدير وأعلى من ذلك” ، لذا لكل زعيم شبيحته الذي يسعى من خلالهم الى تحقيق ذاته. ومن الطبيعي أن تتكاثر هذه العينات في حراك يتحرك في هذا المستوى من الإحتياجات.
تسلق بعض الشباب في الحراك الكويتي على القضايا الوطنية وإساءة إستخدام حرية التعبير بحثا عن الحظوة والتقدير والنفوذ، خصوصا من الشباب الذي قد يحضى بعلاقات إجتماعية واسعه. مثل هؤلاء الشباب يتحرك في ذات التسلسل الهرمي (ماسلو) لكن بطريقة غير مشروعه، الأمر ذاته السابق مناقشته في النقطة السابقه. 
تستمر ثورة مصر في الصيف وخلال شهر رمضان وتسيل فيها الدماء ، لأنها بكل بساطة ثورة جياع وإن تسلقت عليها بعض التيارات السياسية ، بينما نتوقف نحن في الكويت خلال الصيف لأن هناك إحتياجات آخرى تقع في نفس الأهمية ضمن الحاجة لتقدير الذات من سفر وغيره ونفس هذا الأمر ينطبق على تحديد أوقات المسيرات في غير عطلة نهاية الأسبوع. 
الجياع عندما يثورون فليس هناك ما يخسرونه لكن في الكويت فإن الحراك يختلف، إذ يرى البعض أن الحاجة لإصلاح الكويت وتطويرها مهم لكن ليس لدرجة أن يفقد البعض ما دونها من مكتسبات كالأمن والمأكل والمشرب والوظيفة وغيرها. لذا فتعسف السلطة والقبضة الحديديه قد تؤدي الى نتيجه مع الغالب.  فليس الأمر سوءا وترفاً بشباب الكويت لكن هكذا حراك ليس جديته كجدية حراك الجياع.
الناس بغالبيتهم يتحركون في سلم ماسلو للإحتياجات النفسية ، وهي في غالبها تحركات تتصف بردود أفعال غير منتجه ، لذا لا تجد من الشباب إلا ما ندر من يحاول أن يطرح مشروعاً إصلاحياً حقيقيا جذريا ينطلق من رؤية إسلامية يعرف بها أولوياته في الإصلاح ولا تحاصر ذهنه حدود سايس بيكو الفانيه.
خلاصه:
بعيدا عن إلقاء اللوم على الشباب الكويتي أو النواب في تراجع الحراك ، يجب أن نفكر بطريقة أكثر عدلا وتوازنا وجديه.  إن فهم الحراك بطريقة صحيحه سيقود بلا شك الى محاولة طرح المشروع الأنجح بناءا على المعطيات الحالية والذي سيمكننا من بناء توقعات صحيحه. إن جدية الحراك الكويتي ليست كجدية الحراك المصري إن أردنا المقارنة ليس لأن الشعب المصري أفضل بل يرجع سبب ذلك للظروف التي يعيش فيها المواطن الكويتي ، لذا ليس غريباً أن يكون هناك إحساس داخلي لدى الكثيرين أن الإصلاح الجذري في بلادنا ليس ذا حاجة ماسه خصوصاً في بلد ينعم أغلب مواطنيه بالحاجات الأساسية من أكل وشرب وأمن، الأمر الذي يجعل التضحيات ليست ذات جدوى من وجهة نظرهم.  يرجع هذا الأمر لفضل وجود البترول -الذي القليل منه كفيل بستر عورة السلطة فالناس أغلبهم آكلين وآمنين (على حد قول كثير من الناس).
إن غياب الوعي بالفساد الحقيقي الذي تدور رحاه خارج حدود الوطن هو أزمة الأزمات ، وإدراك الحقيقة المؤلمه التي مؤداها أن الفساد الداخلي في بلادنا هو فرع من فساد خارجي دولي نحن أسراه. لذا هل من المعقول الإنصراف الى علاج فساد الفرع إذا كان الأصل هو العله؟! إن معرفة التهديد الحقيقي سيشعل دوافعنا ، وغياب الوعي بالأزمة الحقيقة سيجعلنا نستهلك طاقة دوافعنا في المكان الخاطئ! أنني بإختصار أقول: “أن حراك يتحرك ضمن عقلية وحدود سايس بيكو حراك غير مجدي أبدا وإن تحرك بأقوى وأعنف الدوافع ، فالمعركة في المكان المحاصر مهلكه والقتال مع الفريق الخطأ ضياع مجهود”. في مقال قادم سأتحدث عن جدوى الحراك الكويتي بمطالباته الحالية و أزمته وتأثير الأيدلوجيات والقبيلة فيه وعن جدوى الديمقراطية في الدول القبائلية! نراكم قريبا!
أخوكم/ طلال عيد العتيبي

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.