كتاب سبر

لعنة الخراب

وبعدما انتهك حرمة كل شيء له حرمة وبطش بكل شيء له صفة “الشيء” ، انتهى بإنتهاك حرمة الحرام نفسه و لم يكلف نفسه حتى لوهلة قصيرة بممارسة الإحساس بالذنب!  
لم يأبه بالأنين خلف الجدران، لم يراعِ حسرات الأم على مستقبل أبنائها الضبابي الشائك ، لم يهتم لأجساد ينهشها المرض ، لم ينم يوماً على الأرصفة ، لم يتذوق مرارة العجز المالي الكلي، لم يتلقى تعليماً كأنه لم يتلقه ، لم يمسك أوراق أبنائه أو أوراقه ويسعى من صباح الأمل بحثاً عن وظيفة إلى مساء اليأس منها، لم ينتظر شيئاً يستحق الانتظار بجدارة ، لم يعرف سد الجوع فقط بأي شيء ، لم يسمع النحيب على فاجعة ، لم يتورط طوال حياته إلا بما ذُكر سلفاً!
وقع ذلك على مسامعي ومداركي فقلت هذه الكوارث المذكورة لا مجال ليفعلها أحد منفرداً فهي إما أفعال صدرت من حاكم عربي بمعاونة الشيطان أو صدرت من الشيطان بمعاونة حاكم عربي .. ولأن كل الحكام العرب يدّعون بإنهم مسلمين فلا بد أن الأفعال الإجرامية السابقة كانت وفق ” الضوابط الإسلامية ” .. مع علمي المسبق أن الإسلام في بيونغ يانغ وهم في موريتانيا.
قد تمر أجيال وسنين طويلة على هذا الجور والقهر والخراب المستمر إلا أنني لا أشك للحظة واحدة أن لهذا نهاية ونقطة بداية جديدة ، الجميل في نقطة البداية أنها تُدخِل الحاكم الجائر في حيز اللعنة التي لا خروج منها إلا إلى العدم ، حتى ولو صرخ بأعلى صوت في حنجرته وادّعى بأنه كان سبب الأمن والأمان المستتب فلن يجد لإستغاثته أذان صاغية.
من منّا لا يعرف أن للخراب لعنة ؟ تأكل أخضر الأرض إن وجِد ويابسها الموجود !
إنها الثورة والتغيير
مصطلح الخراب يشمل بين طياته كل ما من شأنه التدني في المستوى والرجوع للخلف والإنحراف عن الصواب فلحدود معينة يسمى فساد وإذا تجاوز تلك الحدود سُمّي خراباً ولا يصلح ذلك إلا ثورة تغييرة تعيد الأمور إلى نصابها وصوابها بكل الوسائل والسبل حتى لو استدعى ذلك سقوط العديد من الضحايا مع عدم التمني بسقوطهم إلا أننا لا نجد بد من الاعتراف بذلك ، أما إذا كانت الأوضاع لم تتجاوز حدود الفساد فإصلاحها لا يقتضي ثورة تغييرة بقدر ما يقتضي صحوة وانتفاضة أقل مستوى من الثورة المباركة كما لا يفوتني أنْ أنوه أنّ للفساد أيضاً درجات فإذا كان عميق ومستشري فهو بإتجاه الخراب الذي سيحقق اللعنة لا محالة !
لم يخلقنا الله لنقول للحاكم افعل وقل ما شئت فأنت الصواب الدائم، وبعدما يفعل أو يقول ، نرد على أنفسنا بـصَدَقَ الحاكم العظيم ! .. ولم يخلقنا الله لنحيا وبيننا جائع وعاجز ومسكين ونشكر الحاكم على فرض الأمن
هذا ليس من الإسلام والعروبة في شيء وليس من قيم الإنسانية في شيء وليس من احترام النفس في شيء .. فإما إصلاح دائم مستمر ويُرَد عليه بالتقدير والتحية والمساعدة و إما لعنة الخراب التي لا رجعة فيها ومن ثم لعنة جهنم وبئس المصير .
كما لا يفوتني أيضاً أن أذكر الحاكم العربي والقائمين عليه أن “القتيل لم يُنْجِب موتى” بل أنجب أبناء سيأخذون حقوق قتلاهم بأبشع الوسائل إن قُدّر لهم ذلك ، قتلاهم الذين مارسوا لعنة الخراب وفتحوا صدورهم لكل شيء ينتج مأساة ومعاناة .. صدور عارية موعدها جنة الله بإذنه
” القتيل لم يُنْجِب موتى ” يا سيدي الجائر ..