كتاب سبر

ريماس.. ورقة توت أخرى!

يكون قدر بعض الناس أن يذهبوا إلى الدار الأخرى قبل غيرهم ؛ ليخبروا الأحياء عن ظلم يقع ، وتعسف يطبّق ، وأرواح تزهق بسبب الإهمال تارة وبسبب العنصرية البغيضة تارة وبسبب اللامبالاة تارات وتارات ؛ لهذا كان قدر الميموني أن يموت ليخبرنا أن كثيراً من أحاديث الوفاة بسبب جرعة زائدة هي أحاديث من وحي خيال الظالمين ليس إلاّ ، وكان قدر حميد “البدون” أن يموت على فراشه بسبب مرضه ليخبرنا كم كذب علينا المسؤولون وهم يدّعون بأن البدون ينالون جميع حقوقهم في هذا البلد رغم أن المريض البدون قد يموت بسبب عدم قدرته على الذهاب للعلاج في البلاد المتقدمة صحياً إما بسبب فقره وهو الغالب أو بسبب عدم حصوله على صك رحمه يسمى مجازاً بجواز سفر مادة 17 وهو بالمناسبة لا يشبه جوازات غير المغضوب عليهم ولا الضّالين ، وكان قدر أوراد “البدون” أن تموت في حادث سيارة باص كلن يقلها وزميلاتها إلى المدرسة فيتجاهلها المسؤولون في هذا البلد لتخبرنا عن وزارة مسؤوليها بلا تربية لكنهم أسموها زوراً بوزارة “التربية” والتي ترى وتسمع منذ فترة طويلة عن الظلم الواقع على البدون في مدارسها ولكنها تغلق آذانها من باب “من أجل خاطر عين تاجر يهون البدون” ، وكان قدر ريماس “البدون” أن تموت لتخبرنا كم هي رخيصة أرواح البشر لدى بعض المسؤولين ولتخبرنا أن اليوم الذي يتكون من أربع وعشرين ساعة في نظرك أيّها المسؤول التافه هو في الحقيقة أربعة وعشرون أملاً بحياة طفلة وأربع وعشرون دعوة بالشفاء والعافية لطفلة تموت ببطيء ، وأربع وعشرون ساعة عناية وسهر ومتابعة لمريض يصارع الموت ، وآلاف الدموع التي ذرفتها عين أمّ صابرة وعين أبٍ محتسب.
عصر هذا اليوم “السبت” تحتضن مقبرة الجهراء جثمان الطفلة الطاهرة “ريماس” والتي لم تسمع عن عنصريتكم البغيضة ولم تتلوّث بحقدكم الدفين ، لا تعلم بحجم المعاناة التي عاناها أبواها في عمل حملات مناشدة لعلاجها في الخارج من مرض السرطان في الدم ، وهم أيضاً لم يستطيعوا سماع شكواها عن حجم الألم الذي كانت تشعر به حين كان الموت يأكل جسدها الطاهر رويداً رويداً ، ماتت ريماس “البدون” لأن قرار التكفل بعلاجها جاء متأخراً وبعد مناشدات طويلة عريضة خرج فيها صاحب القرار مشكوراً وبات من جرّائها والد ريماس مقهوراً.
هل تظنون أن ما أصاب حميد وأوراد وريماس وغيرهم من أبناء وأطفال البدون الذين ماتوا بسبب عنصريتكم ؛ بمعزل عمّا يصيبكم اليوم وكل يوم ؟! ، كلا والله فالظلم عاقبته وخيمة ونتائجه على البلاد أليمة ، فإن كانت امرأة دخلت النار في هرّة حبستها ، فأين – بالله عليكم – سيكون مصير من تسبب في تردّي حالة ريماس “البدون” وحرمانها من العلاج في الخارج حتى باغتها الموت وفجع قلب أبويها ؟! سلوا قلوبكم ….
ريماس … ياحبيبتي … ارقدي بسلام وأبلغي “أوراد” و “حميد” منّا السلام وقولي لهم : “عندالله تجتمع الخصوم”.
شعر :
شاهد على وضع البدون فـ بلدنا
جيش الهموم اللي على القلب حاشد
حتى المرض لامن فتك في ولدنا
لأجل الدوا واجب علينا نناشد ؟!
twitter : @Mansour_m