أقلامهم

خلود الخميس: قطر والاستقلال والسلام العالمي

قطر والاستقلال والسلام العالمي
بقلم: خلود عبدالله الخميس
في زخم احتفالات دولة قطر الشقيقة بيومها الوطني، سأكتب عنها اليوم، كيف نضجت في 2013 وماذا يريد منها شعب الخليج كجزء من منظومته التي تفكر بعقل مجدد.
فلستُ مواطنة قطرية لأتمكن من سرد انتفاعي من سياسات الدولة وأسلوب إداراتها، لكنني مواطنة خليجية وكل الخليج حدودي. وجزيرة العرب مهبط رسالة النبي الأمي الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- محط أحلامنا وأمنياتنا وستبقى كذلك حتى نواكب مشهد نصر دينه أو نموت في هذا الطريق.
ومن هذا المبدأ سأكتب عن قطر، كجزء من الجزيرة العربية، هذه البقعة الملهِمة رغماً عن كل من يحاول طمس قدرتها على الإلهام.
لقد استطاعت دولة قطر عبر مثلث الإنتاج «1- منهجية التفكير السياسي الحديث 2- استثمار الدماء الوطنية الشابة 3- الإدارة التنفيذية الواعدة» أن تحجز مقعداً في الصف الأول ضمن الدول المؤثرة في القرار الإقليمي والدولي، الدولي الذي مَردَ على التعامل الفردي مع دول الخليج في القضايا المصيرية وليحرّض ويحرّش بين دُوله، اليوم هو ذاته ينتقد قرارات قطر المختلفة عن الخليج. فقط لتعارضها مع هواه. هكذا هو الوصف ببساطة وبلا تعقيد.
قطر اتخذت منهجاً في الاستقلال الحقيقي باتخاذ القرار المتلائم مع انفتاحها وتحولها مؤخراً، بينما المجتمع الدولي يريد للخليج الانصياع لمزاجيته. متى ما شاء التعامل معه كمنظومة وكتلة فعل. ومتى ما أراد أن يستدعي أعضاءه كل على حدة منفرداً لتشكيل «لوبي ما» فعل. وهذا النهج أضعف السيادة الخليجية. تلك حقيقة وإن أغضب كلامنا كثيرين.
نعلم ونفهم أعذار مروجي نظرية «المساحة والسكان والحدود» لإحباط مشروع «استقلال القرار الخليجي» بأنهم يركنون إلى الوضع القائم الذي يعرفونه واعتادوا عليه. نظام «البلاستر» فوق الجرح حتى يبقى الوضع على ما هو عليه ولا يسوء. ولا يريدون وضع مجهود وطاقة للنهوض بالخليج كمنظومة صلدة متماسكة قادرة على القيام بدور مصدات لكل الرياح. بدلاً من رخاوتها الحالية والتي يعول عليها المجتمع الدولي في تسييرها ضمن دائرة مصالحه. رغماً عن تضاد أغلبها مع مصالحه وشعوبه. خصوصا بعد العلاقة «المعلقة» التي وضع عليها الخليج بعد التقارب الإيراني- الدولي.
ذلك الاستقلال في القرار الذي نتمناه لا علاقة له بمن يبدأ به ومن يقود المنطقة للقوة. فهذه حسابات المراهقين. فالملايين من المواطنين الخليجيين وثراء المنطقة واستقرارها السياسي عوامل تدعم فرض كرامتها اليوم. فهي تمتلك النفط والتحكم في السوق والقاعدة الشرائية المؤثرة والتي تنعكس على التبادل التجاري العالمي فقد أنفق الخليجيون خمسين مليار دولار للعام الحالي على الرفاهية فقط. فكيف ببقية السلع الأساسية؟
بالطبع الخليج بشعبه عمق اقتصادي. وبشحذ الرغبة الشعبية لفكرة استقلال قراره ماذا يتبقى؟ تعاون الحكام. فقط. ونتمنى أن تتفق الجهود قبل أن تتحول المقومات السابقة الذكر في الغد فلا نجد ما نستطيع التفاوض به ونخسر مجبرين.
وهنا أتناول فكرة الاستقلال التي تسعى قطر لتثبيتها ريادة، فرغم الحلف الخليجي لم تحبس نفسها في إطار سياسات التبعية للمجتمع الدولي في اتخاذ القرار. وها هي غزة ودعم القطاع مادياً ومعنوياً. دعم الثورة في سوريا إنسانياً وإغاثياً وغيرهما وذلك بالطبع قبل أن يتحول هذا الملف للسعودية التي لها سياسات وطرق مختلفة وإن كانت مناصرة لحق الشعب السوري في الحياة من دون الأسد. في مصر. في اليمن. وغيرهم. ملفات تسعى قطر لتكريس سياساتها فيها بالاستقلال باتخاذ القرار. وإن كان ذلك حبواً لاعتلاء المجاملات ظهر مركبة القرار.
أما السلام العالمي الذي أتحدث عنه هنا فهو قراءة لمشروع قطر في فرض «فكرة حق الدول الإسلامية الجلوس على طاولة العلاقات الدولية التي تجتمع لتقرر مصير تلك الأمة من دون أن يكون لها رأي» حق المشاركة في المجتمع الدولي لا التبعية له.
السلام العالمي الذي أتمنى أن تنتهجه قطر امتداداً لمسيرة دعم الشعوب في سبيل التحرر من استعباد الأنظمة الجائرة. السلام العالمي كحق للجميع. من دون أن تُستثى منها استثناء الشعوب المسلمة ولا أنظمة الحكم الإسلامية. في الحياة بسلام وأمن وضمن اختيارات الشعوب رغماً عن السائد والمريح الذي تريد القوى العالمية تجييره باتجاه كتلتي أميركا وروسيا.
وأخيراً. فذاك التفكير الذي يقسم العالم لكفتين تتصارعان ولا مكان لأحد إلا مع أحدهما. أو حكم العالم بقوة دولية عظمى متسلطة متجبرة. أقول إنه ماضٍ انطمس في أفغانستان ولن يعود. رغم محاولات تكراره في العراق. والاستقتال على فرضه في سوريا. لن يعود.
لقد جعل الجهاد الأفغاني بكل فصائله من فكرة قوتين عظميين أضحوكة ومهزلة للقرن سيتندر بها أبناء الأمة عندما يفيقون من غفلة التبعية للتصريحات والإعلام السياسي الدولي والتسمر بمقابل قنوات التلقين.
سيحدث ذلك فقط. عندما ترتفع عن رؤوسهم. إن لم يكن طوعا فكرها. أحذية الظلم والقمع الداخلي والخارجي. ويرون أن في الأمة ناطحات للعقول لا ولن تقبل العودة للتفكير في الأقبية والسراديب.