طرف الخيط
في المواجهة الإيرانية – السعودية.. القادمة!
خليل علي حيدر
لا استقرار في العالم العربي ما لم يتحقق تفاهم سعودي خليجي مصري عميق
«المواجهة الكبرى مقبلة بين السعودية وايران». هذا ما يحذّر منه كاتب سعودي واعلامي قدير، هو الكاتب جمال خاشقجي. (الحياة، 2013/12/14) وكان كاتب سعودي آخر معروف، وهو د.خالد الدخيل، قد حذر المسؤولين في المملكة قبل ستة اشهر بأن «لإيران مشروعها.. ما هو مشروع السعودية؟» (الحياة، 2013/6/30).
خاتمة مقال «خاشقجي تقول» ان سورية هي ساحة الصراع القادمة في المواجهة بين المملكة وايرن، و«بعدها ستجلس «الشقيقتان» على طاولة المفاوضات، والمنتصر منهما سيكتب شروط الصلح».
أما مقال د.الدخيل فأكثر تفصيلا. وهو يرى ان «تعثر السياسة الخارجية السعودية خلال اكثر من ثلاثة عقود واضحة في العراق والشام والبحرين واليمن»، ولها ثلاثة اسباب: الاول، ان القدرات العسكرية السعودية الكلية «اقل من حجم السعودية الجغرافي والديموغرافي والاقتصادي وحجم دورها الاقليمي والمسؤوليات الملقاة على عاتقها». الثاني اعتماد السعودية على «توازنات القوة وتوازنات المصلحة.. وتطابق المعادلتين دائما مستحيل». والثالث، ان السياسة السعودية وُضعت اسسها في ثلاثينيات القرن العشرين، «لظروف محلية واقليمية ودولية مختلفة تماما عما انتهت اليه هذه المستويات السياسية، بخاصة منذ ازمة الخليج الاولى». ويلفت الدخيل النظر الى «ان هناك مواجهة في المنطقة بين ايران والعالم العربي، وهي مواجهة فرضتها طهران على الجميع».
ويطالب د.الدخيل السلطات السعودية والمسؤولين بزيادة القدرات العسكرية السعودية، واعادة صياغة الاستراتيجية الدفاعية والامنية لها، بحيث «تصبح بمفردها قادرة على مواجهة كل مصادر التهديد الاقليمي لأمنها الوطني».
هذا الى جانب التركيز على مبدأ التحالف الخليجي، والمبادرة الى «دور ما لإخراج مصر من المأزق السياسي الذي دخلت فيه بعد الثورة»، وأخيراً، ان يتم هذا التطوير في قدرات المملكة «ضمن سياق اصلاحي سياسي ودستوري في المجتمع السعودي». (الحياة، 2013/12/14).
ان الجمهورية الايرانية كالمملكة العربية السعودية لها نقاط قوة وضعف. وهي كتلة جغرافية وسكانية قوية ولا اعتقد ان التوازن مع ايران يحققه السلاح وحده مهما تنوع وكثر. ويمكن في حال اللجوء الى القوة والحرب ان ينال الطرفين دمار هائل، ولكن ثمة فرق واضح بين مستويات المعيشة في البلدان الخليجية وايران، وقد لا يكترث قادة ايران ان خسرت الدولة الكثير أو تردى المستوى المعيشي أو تدهورت العملة، فهي تعاني من بعض هذا منذ زمن. كما ان التوتر والحرب مفيدان جدا للأنظمة الثورية التعبوية المؤدلجة. وليس هذا ما تسعى اليه!
وللدين كما هو معروف، وكذلك المذهب، مكانة مهمة واساسية في البلدين. ولكن بيد الحاكم في ايران السلطة الدينية والمذهبية وكذلك السلطة السياسية والاعلام والجيش وحتى رئاسة الجمهورية! ولمرشد الثورة فوق هذا كله، من الناحية النظرية والدستورية، سلطان روحي شامل. وكل هذا غير متوفر بهذا الشكل لدى الجانب الآخر. الدين تحت هيمنة السلطة في ايران بينما السلطة تحت هيمنة رجال الهيئة الدينية في المملكة، مع هوامش للمناورة وتقديم الدولة لمبررات وتأكيدات بأنها «لا تنوي الذهاب بعيدا»! وبينما وجد الولي الفقيه في ايران طرقا كثيرة لاسكات رجال الدين أو المرجعية الشيعية داخل وخارج ايران، أو التفاهم معها، فإن رجال الدين في المملكة قد وقفوا بحزم وحسم محرج، حتى ضد قيادة المرأة السعودية للسيارة، على بساطة هذا المطلب الحضاري وضرورته لازدهار السعودية واستقرارها العائلي والاجتماعي، دع عنك الضرورات الملحة الاخرى في مجالات التربية والتعليم وتغيير المجتمع والسينما والمسرح ودور العبادة لغير المسلمين والتعددية الثقافية والاختيار بين السفور والحجاب والنقاب وغير ذلك من مستلزمات مجتمع ناهض شاب.. كالمجتمع السعودي.
لا تنظر الهيئة الدينية في المملكة كما تدل بعض المؤشرات، الى مصالح ومكانة المملكة العربية منها والدولية، نفس نظرة القيادة السياسية، بل ان التيار السلفي نفسه منقسم منذ عام 1990 كما هو معروف.
ويبذل بعض الشيوخ جهدهم لتطوير الفهم الديني وتحديثه، ومن هؤلاء مثلا د.سلمان فهد العودة وعايض القرني وآخرون، ولكن المطلوب لمنافسة ايران في هذا المجال.. الشيء الكثير. والمملكة ربما كانت بحاجة الى قرارات سياسية تدعم رؤى دينية واجتهادات فقهية جديدة، أو الى «مؤتمر وطني ديني سياسي» للتحاور والنقاش، ومحاولة الاحاطة بالظرف الجديد والتحديات على كل صعيد.
لا استقرار في العالم العربي والمنطقة الخليجية في اعتقادي، بعد ثورات وتغيرات 2011، ما لم يتحقق على الاقل تفاهم سعودي، خليجي، مصري عميق، ترافقه كذلك دراسة وافية لمصالح الغرب وبخاصة الولايات المتحدة ومصالح العالم العربي. وربما كانت خير بداية لهذا كله، كما جاء في مقال د.خالد الدخيل، «ان تتبنى السعودية مشروعا سياسيا واقتصاديا وفكريا، يعزز فكرة الدولة المدنية، ويُغني مفهوم المواطنة، ويدعم حق المشاركة السياسية للجميع في اطار نظام ملكي عمره يقارب الـ300 عام، لكنه قادر على التغير والتأقلم مع العصر ومتطلبات المرحلة. وعلى الرغم من ان السعودية نشأت في اصلها بالتحالف مع حركة دينية، الا انها تفادت التحول الى دولة دينية، بل على العكس، هي دولة مدنية بمشروعية دينية وسياسية ايضا. ثم ان السعودية هي اكبر اقتصاد في الشرق الاوسط وتنتمي لنادي الـ20 دولة الاكبر اقتصادا في العالم».
ان هذه الافكار التي يطرحها د.خالد الدخيل ارضية جيدة لبناء مملكة عربية سعودية حديثة. ومن الواضح الآن انه لكي تكسب المملكة المنافسة والصراع مع ايران، ولتعزِّز قدرتها القيادية في المرحلة القادمة، لابد ان تكسب مثلاً افئدة الشريحة المتوسطة والنخبة العربية رجالا ونساء. لابد ان تكون كما يقال Middle Class Friendly، وان تحسم بنوع من التفاهم الداخلي خيار التحديث وتجاوز ثقافة المحافظة التي تجاوزتها القوى الاجتماعية السعودية، وثقافة التشدد الديني التي تهدد الوطنية السعودية نفسها. واذا لم يتحقق هذا، فإن تكديس الاسلحة سيكون مجرد تكرار لتجارب انظمة كان تسلّحها أشد فتكاً وأعز نفراً، لكنها فشلت في المنافسة والصراع، لأنها فقدت مع مرور الزمن وتطور المجتمع مشروعها السياسي. وهكذا، نعود الى سؤال د.خالد الدخيل، الذي وجهه الينا جميعا: «لإيران مشروعها.. ما هو مشروع السعودية»؟
أضف تعليق