كتاب سبر

بل هم قوم مفلسون !

الإفلاس الفكري له صور عدة أحدها هو المداومة على اجترار ذات العبارات وذات المطالب كلما شعر المفلس بالجوع الجماهيري ، فيعود ليجترّ تلك المطالب من جديد ويسمع بعدها جشاء التصفيق يصمّ الآذان ، ويشعر بعدها بشبعٍ كاذب جرّاء خطابٍ هو في عرف المنصفين لايسمن ولا يغني من جوع .
إن التشبث بمطالب يعلم أصحابها علم اليقين أنها غير صالحة للتطبيق في عصرنا الحاضر لأسباب عدّة ؛ ماهو إلا صورة متكررة  من صور الإفلاس الفكري والتي يريد أصحابها أن يظهروا من خلالها بمظهر المتشبث بمطالبه والثابت على مواقفه ، والظافر بإحدى الحسنيين مع ترديد العبارات المساعدة كننتصر أو نموت والموت ولا المذلّة وقد لاتختلف عنها “إما نكون اللي نبي وإلا عسانا ما نكون” .
حين تصاب محركات التجديد لديك بالشلل التام عن إيجاد طرق بديلة للطرق التي باتت تقليدية ولا تحظى بمزيد قبول عند الآخرين ؛ فاعلم بأنك تعاني من الإفلاس الفكري والذي سيجبرك دون أن تشعر على تكرير نفسك في كل مرة وعمل نسخة كربونية منك وإعادة اسطوانتك المشروخة في كل تجمع وتكرار ذات الشيلات المصحوبة بالصفقات لتقول للجميع أنا أهوّس إذاً أنا موجود ، لتصنع منك مع مرور الوقت شخصاً مملاّ للغاية يستطيع المحيطون بك من إكمال خطابك بعد أول سطر منه .
إن المقياس الحقيقي لنجاح أي تحرك أو حراك للمطالبة بأمرٍ ما هو تطور طرق المطالبة به وتنوع أساليبها -الشرعية طبعاً- ومحاولة تحقيق مكاسب نوعية حتى لو كانت بمقابل تنازلات وقتية لأن السير ببطء أفضل كثيراً من التوقف لسنين طويلة في ذات المكان ، والرضا بالمكاسب العامة مع قلتها وتقديمها على المكاسب الشخصية التي تزيد في مثل هذه الظروف وتتسبب في صناعة الرموز الوهميين .
حين يتم إصدار بيان لايحوي شيئاً جديداً بل ولايختلف عن بيان كتلةٍ ما والذي جاء في الأصل متوافقاً مع بيان المجاميع الشبابية والذي جاء امتعاضاً من بيان للكتلة أيضاً في ذلك الحين فاعلم بأننا نعيش إفلاساً فكرياً من نوع خاص وكل بيان والسلطة بخير .