كتاب سبر

“هوشة” حكام الخليج

قرار السعودية والإمارات والبحرين سحب سفراءهم من دولة قطر لم يكن مفاجئاً، فالكثيرون يعلمون أنه وبرغم المجاملات والولائم الباذخة وصور العناق وأغاني “خليجنا واحد” أثناء عقد القمم الخليجية فإن بين دول الخليج “ما صنع الحداد”. يمكن تشبيه المشهد الخليجي بمجموعة أخوة يحكم كل واحد منهم منطقة ولدى كل واحد منهم “رعايا” يعملون في خدمتهم، وفي لحظة ما أحس “الأخوة” بخطر ما يتهددهم فاتفقوا على تكوين مجلس للعائلة على أن يسمعوا كلام أخيهم الكبير (السعودية) واستمر الحال على ذلك لسنوات، ولكن أحد الأخوة الصغار (قطر) كبر وأصبح شاباً قوياً وأشتغل بالتجارة وأصبح غنياً فقرر أن ينافس أخيه الكبير على زعامة مجلس العائلة وأصبح يناكفه في كل صغيرة وكبيرة، وهذا التمرد من الأخ الأصغر بالطبع لم يعجب الأخ الأكبر وناصره في ذلك أثنان من أخوانه اللذان لا يخرجان عن طوع أخيهما (البحرين والإمارات) في حين أن أحد الأخوة (الكويت) عاقل ولا يحب المشاكل ويريد دائماً أن يحافظ على لم شمل مجلس العائلة، في حين أن الأخ السادس (عُمان) غير مبالي بما يحدث بين أخوته ويهتم بأموره الخاصة فقط وكأن الأمر لا يعنيه.
إذا كان كل ما في الأمر أن “الأخوة” الحكام “تهاوشوا” فيما بينهم فماذا يهمنا نحن “الرعايا”، فالمجلس منذ إنشاءه لم يتأسس لرعاية مصلحتنا كمواطنين بل لحماية مصالح الحكام والحفاظ على كراسيهم ونظافة “بشوتهم”، وعليه لن يتغير شيئ بالنسبة لنا، بل ربما من الأفضل أن لايتفق الأخوة الحكام لأن إجتماعاتهم في الغالب تركز على التعاون بينهم على خنق أي صوت يحتج على وضع الرعايا في مناطق “الحكام”، ولعل الاتفاقية الأمنية بين دول الخليج خير دليل على ذلك.
كل ما يحدث الآن من زوبعة يمكن تلخيصها بإختصار بأن لدى حكام قطر أموال ضخمة من عوائد النفط والغاز وقررت أن تزاحم السعودية على زعامة دول الخليج، بل وزعامة الدول العربية، ولذلك فإنها إستماتت لإسقاط أنظمة الدول العربية الكبرى فبدأت بدعم ثورات الشعوب في تونس وليبيا ومصر ونجحت في ذلك ولكنها فشلت في إسقاط النظام السوري، ولو نجحت في ذلك لكانت الضحية القادمة هو “الأخ الأكبر” بذاته. السعودية في المقابل نفذ صبرها من تمرد الأخ الأصغر وقررت تأديبه.
الصراع السعودي-القطري كان واضحاً ولكن بصمت منذ عدة سنوات ولكن الإطاحة بحكم الأخوان المسلمين في مصر جعل هذا الصراع يصبح على المكشوف، وأخذت كل من السعودية وقطر يستخدمان أذرعتهما الإعلامية “العربية” و “الجزيرة” في نشر “الغسيل القذر” لكل منهما. والمضحك المبكي أن الإعلام الرسمي القطري والسعودي على حد سواء يذرفان دموع الحب والشفقة على الشعب المصري ويؤكدان على ضرورة إحترام حق الشعب المصري في إختيار نظامه، وكأن الشعبان السعودي والقطري ينافسان سويسرا والسويد في طريقة إختيارهما لنظامهما الديمقراطي. باختصار مجلس التعاون الخليجي مجلس لحماية الأنظمة الحاكمة وليس لحماية مصالح شعوبها، وبالتالي فقد يكون من مصلحة شعوب هذه الدول عدم استمرار هذا المجلس.
 
د. صلاح الفضلي
salahma@yahoo.com
@salahfadly