كتاب سبر

الأسكندر عنده قرنان

يقال إن الأسكندر ولد وله قرنان صغيران صارا يكبران كلما كبر ونما جسمه، ولم يكن يعلم بذلك سوى والده ومعلمه، فطلب والده من المعلم أن يكتم السر، وهدده بقطع رأسه إذا ظهر أمر القرنين للناس. 
كتم المعلم سر القرنين في صدره زمنا، ثم بدأ السر يقض مضجعه، ولكنه لم يقدر على البوح بالسر خوفاً من العقاب، ثم بدأ المعلم يشعر بانتفاخ  في بطنه، فذهب إلى الحكيم “أرسطو” فشكا إليه حالته، فعاينه “أرسطو” ثم قال له: “أنت تخفي سراً في صدرك، وهذا سر انتفاخ بطنك”، فقال المعلم “صحيح، ولكني لا أستطيع البوح به أبداً”، فقال الحكيم “أرسطو”: إذن أذهب إلى بئر بعيدة وضع رأسك فيه وبح بالسر بأعلى صوتك”، فذهب المعلم إلى بئر كبيرة في خارج المدينة ومد رأسه فيها وصاح بأعلى صوته “الأسكندر عنده قرنين”، وكرر ذلك مرات عديدة، فشعر بالورم يتلاشى من بطنه حتى زال عن آخره. 
هذا المثل يضرب لمن يحمل في صدره سراً لا يستطيع البوح به. 
تذكرت قصة قرنيّ الأسكندر وأنا أقرأ بيان الديوان الأميري الذي يناشد الجميع “بعدم الخوض في تسجيلات لبعض الأشخاص وترك الأمر للنيابة”. 
من الواضح أن بيان الديوان يحاول أن “يلملم” الموضوع ويحصره في إطار النيابة، ولكن من المؤكد أن ذلك لم يعد ممكناً، فقضية “الشريط” أصبحت قضية رأي عام وغدت على كل لسان، وهي لم تعد شأناً خاصاً بالأسرة الحاكمة كما كانت سابقاً، بل إنها أصبحت تهم كل مواطن، بل إن الغالبية العظمى من الناس أصبحت تطالب بالإطلاع على محتويات “الشريط لتعرف حقيقة الأمر، لأن نتائج الصراع على الحكم الذي يكشف عنه “الشريط” تتعلق بمصير البلد ككل، وبالتالي فالكل معني بها.
عدة سنين مضت والكثير من أهل العقل والحكمة يسدون بالنصح للأسرة الحاكمة أن تبادر إلى حل مشاكل أبنائها المتصارعين حتى لا تتفاقم وتتطور إلى ما هو أسوأ، لكن دون جدوى، واستمرت الخلافات والصراعات والضرب تحت الحزام بين أبناء الأسرة تكبر وتتضح يوماً بعد يوماً حتى خرجت بشكل صارخ عبر “الشريط”، ولذلك لم يعد بالإمكان التكتم على الوضع الخطير، ولم يعد مجدياً مطالبة الناس بعدم “الخوض” في ذلك.. الناس نصحتكم ولكن لا تحبون الناصحين.
الأمر لم يعد يتعلق بأن أحمد الفهد يعمل ضد ناصر المحمد أو أن ناصر المحمد يسعى لإفشال حكومة جابر المبارك أو أن الشيخ الفلاني يتآمر على الشيخ العلاني، بل الأمر وصل إلى تهديد أمن البلد. 
بكل وضوح لم يعد ممكناً إخفاء حقيقة أن “الأسكندر عنده قرنان”، وفات أوان الذهاب إلى بئر خارج المدينة والصراخ بأعلى صوت “الأسكندر عنده قرنين” حتى يخف انتفاخ البطن. 
الآن يجب التعامل على أن الجميع يعلم بأن “الأسكندر لديه قرنان”، لأنه إذا لم يتم التعامل بسرعة مع هذه الحقيقة فإن القادم أسوأ، وعندها لن ينفع معه لا بيان ولا مناشدة، فالصرخة والتحذير ذهبت مع الريح ولكن غداً قد تذهب بالأوتاد.
salahma@yahoo.com