كتاب سبر

مليوصة يا حسين الصافي

“مليوصة يا حسين الصافي” هو أحد الأمثال العراقية الشهيرة.
 قصة المثل تعود إلى أن حسين الصافي صاحب المثل كان يشغل وظيفة محافظ لمدينة الديوانية في العراق وقد كان كلف من قبل البعثيين بتدبير الأمور في العراق بعد فشل محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم من قبل البعثيين، ومن كثرة ما كلفه البعثيون من أمور لم يتمكن من تلبية ما يريدون، فبدأ بالاعتذار منهم بقوله “مليوصة” وهي كلمة عراقية شعبية وتعني مضطربة، وبسبب ذلك ذهب قوله هذا مثلاً، وأصبح من يريد أن يعبر عن اضطراب الأوضاع يقول “مليوصة يا حسين الصافي”. 
“مليوصة” هي التعبير المناسب لوصف المشهد السياسي في الكويت هذه الأيام، فتحليل ما يجري من أحداث منذ ظهور قصة “الشريط” يحتاج إلى أصف بن برخيا وزير سيدنا سليمان ع الذي كان عنده علم من الكتاب حتى يفك لنا طلاسم ما يحدث خلف الكواليس.
 الجميع على علم أن هناك أقطاباً في الأسرة يتصارعون للوصول إلى رئاسة الوزراء وولاية العهد منذ سنوات عدة، وكلما مر الوقت ازدادت الأمور تعقيداً وزاد الضرب تحت الحزام، والكل يتساءل عن سبب عدم حسم الأمور داخل بيت الحكم، وهل أن ثمة من هو مستفيد من استمرار هذا الصراع من داخل الأسرة؟ 
ما زاد في تعقيد المشهد الذي أصبح أشبه ما يكون بمشهد من مشاهد “الكوميديا السوداوية” هو دخول تجار من العيار الثقيل على خط الأزمة من خلال تحالفات بعضها معروفة وأخرى غير معروفة، فجاسم الخرافي هو حليف لناصر المحمد، ومحمد الصقر هو حليف لجابر المبارك، وأحمد الفهد لديه مجموعة من الحلفاء أيضاً، وكل واحد من هؤلاء الأقطاب بدأ يعد العدة لليوم الموعود. 
وفي ظل تحالف أقطاب السلطة مع أقطاب المال أصبحنا نألف سماع الكلام عن أرقام فلكية تنفق هنا وهناك لشراء الولاءات، ودخلت وسائل الإعلام المحسوبة على هذه الأقطاب طرفاً في معركة كسر العظم، فجريدة الجريدة مسخرة لتوجه محمد الصقر حليف جابر المبارك، وجريدة الراي مكرسة للدفاع عن الخرافي حليف ناصر المحمد، وجريدتي الوطن وعالم اليوم تتبنيان موقف أحمد الفهد.
ضمن هذا المشهد الغامض بدأت الناس تتساءل عن مصير البلد، فما يحدث يجري وسمو الأمير مازالت له الكلمة الفصل، فكيف سيكون عليه الوضع في البلد إذا قال القدر كلمته واختفى سمو الأمير عن المشهد السياسي؟ كيف سيتم تسوية الصراع على الحكم حينها، ومن هو القادر على ضبط الإيقاع بين أبناء الأسرة، وهل سيتم الاحتكام إلى الآلية الدستورية في اختيار ولي العهد ورئاسة مجلس الوزراء أم سنكون أمام أزمة حكم جديدة على غرار أزمة 2006، بل ربما ستكون أعقد منها بكثير، وما هو الدور الذي سيلعبه مجلس الأمة الحالي في ذلك الوقت، وهل سيكون لتركيبة المجلس ووجود مرزوق الغانم رئيساً له دور في ترجيح كفة أحد أطراف الصراع؟ كل هذه الأسئلة المشروعة لا تجد لها جواباً شافياً في ظل الغموض الشديد في قضية الشريط، ولذلك ليس هناك كلمة تصف المشهد السياسي الحالي أفضل من كلمة “مليوصة”.
salahma@yahoo.com