كتاب سبر

صحافة بلا حياد

بعد اختطاف الحياد منها وتركها وحيدة تصارع ظلام الحقيقة، ينير لها الطريق ضوء أتى من ثقب في أجوائها العاتمة، يسطع هذا الضوء ازديادا كلما أمسك رؤساء التحرير وكتابها سيجارهم وانبثق منه دخان تلك الأخبار، بين المسموح نشره والمحرم التعاطي به، ترتدي موادها ثوب الراقصة الذي يثير حفيظة البعض، وتهتز مانشيتاتها بذلك الردح، ويتدافع عليها الأثرياء تنقيطا بوضع إعلاناتهم، كلما رقصت مانشيتاتها بذلك الرقص المُنحرف والمثير للفساد، في هذه الوصلة تحديدًا، تتدافع الأقلام المأجورة من أجل (لمّ النقطة) وإثارة المتفرجين، هادمة للقيم متناسية الخطوط الحمراء مؤججة لما يزيد ثراءها فحشًا، دون أن تقدّم مسؤولياتها بوعاء الأمانة والاحترام، مبتعدة عن شرف المهنة، ومتسكعة في أحضان الفاسدين، ضاربة بعرض الحائط معاني المصداقية، فعلا أنها صحف صفراء تمولها دماء زرقاء، دعونا نقيم عليها صلاة الجنازة ونقدم لبعضنا واجب العزاء. 
هكذا نجد تعاطي بعض الصحف العربية العريق منها والحديث مع الأحداث السياسية وهذا ما نعانيه منها، متناسية ان الكثير من أوراقها أصبح في أرفف المطابخ لامتصاص الماء من تلك الآواني، وأحيانًا بعض أوراقها يستخدم في مسح زجاج المركبات، حيث وجد المواطن العربي استفادة في لمعان ذلك الزجاج واتضاح الرؤية بسببها، بينما هرع الكثير نحو استخدام أوراقها لموائد الطعام، وإن كانت تلك الصحف لا تصدق بذلك الفعل، عليها بالذهاب نحو مكب النفايات للتأكد أو عمل استبيان موجه إلى عمال النظافة وسؤالهم حول ذلك الشأن.
الصحافة في الدول المتقدمة تعد حارسًا للمجتمع، حيث تكون موادها مفيدة ومن يعمل بها بسطاء، وحتى كبار شخصياتها لا يعانون الثراء، وربما توزع أوراقها بالمجان، حتى إننا نشاهد من يجلس وسط محطات القطار والمطارات متصفحا أوراقها، وهي بلا شك تختلف عن مثيلاتها لدينا، فالصحافة واجهة المجتمع وإثرائه، وليست مرثعا للتكسّب والرقص على جراح الآخرين، ولهذا وجد القارئ ضالته في برامج التواصل الاجتماعي مطلقًا إياها بالثلاث وهو طلاق بائن لا رجعة فيه.