كتاب سبر

فواز فرحان في مقال ساخن: مصالحة وطنية

رغم الهدوء الذي يلف أوساط الحراك الشعبي الكويتي، ورغم المشاكل الجدّية التي تواجه أطراف المعارضة على المستويين الذاتي والموضوعي؛ إلا أن أزمة السلطة وحلفها الطبقي المسيطر وصلت إلى مرحلة حرجة غير مسبوقة؛ وعلى هذا الكلام الكثير من الدلائل والإشارات. السلطة اليوم عاجزة حتى في التعامل مع مجلس الصوت الواحد الذي يعتبر صنيعة من صنائع مشروعها المشيخي؛ فليست استقالة خمسة أعضاء من هذا المجلس و وزيرين بالشيء الهيّن ولا شطب استجواب رئيس مجلس الوزراء بشكل مباشر ومن غير عرضه على لجنة برلمانية بالشيء البسيط. 
وأنباء فضائح ما يسمى بـ (مقاطع الفيديو المسجلة في جنيف) وتواتر الأخبار عن التحويلات المليارية من الحساب المتضخم لأحد المتنفذين أصبحت الشغل الشاغل للسلطة التي تحاول عدم تحويلها إلى رأي عام يعيد اتقاد جذوة الحراك الشعبي المعارض. وبشكل عام فشلت الإدارة الحكومية بالتعامل مع المشاكل التي تواجه الناس على مستويات السكن والصحة والتعليم وغلاء الأسعار والبطالة الحقيقية والمقنعة. بتنا نشعر بنبرة التذمر المتصاعدة ضد السلطة ونهجها حتى في أوساط المشاركين في انتخابات الصوت الواحد المجزوء الأولى والثانية؛ لذلك فالسلطة اليوم ليست في أحسن أحوالها ولا حلفها الطبقي المسيطر بأفضل أوضاعه التي ظل يسعى للحفاظ عليها خلال الستين عاماً الماضية.
قبل الدخول في موضوع ما يسمى بالمصالحة الوطنية أود أن أوضح بأنني والخط السياسي الذي أنتمي له لسنا من دعاة التأزيم الطفولي ولا من عشاق الاضطرابات السياسية؛ ولكن النقاط يجب أن توضع على الحروف بما يخص تحليلنا للوضع العام وتشخيصنا لموطن الخلل. المتسبب الرئيسي بكل ما يحدث في البلد من مشاكل كبرى على مستوى النظام وكذلك من مشاكل صغرى دقيقة في مختلف مفاصل الدولة هي السلطة. هذه السلطة ذات النهج المشيخي سعت وتسعى وستظل تسعى ما واتتها الظروف لذلك إلى تقويض الهامش الديمقراطي في البلد خدمةً لمشروعها الخاص، وكل ما يواجهنا من مشاكل ليست إلا نتاجاً لهذا المشروع ولأساليب السلطة و وسائلها لدعمه وتثبيته وضمان مستقبله. والباب الذي ساعد هذا المشروع السلطوي على الدخول إلى واقعنا السياسي ويجب إغلاقه هو تأرجح نظامنا الدستوري بين النظامين الرئاسي والبرلماني، والذي جعل هذا الباب مفتوحاً على مصراعيه هو عدم وجود حكومة تمثل الإرادة الشعبية الحقيقية وتتم محاسبتها محاسبة جدية في ظل برلمان غير منتقص المهام. إذا لم يتغير هذا الوضع العام فالحديث عن مصالحة وطنية بين السلطة والمعارضة والموالاة هو تخدير للشعب وتفتيت للمعارضة فوق ما هي مفتتة وإنقاذ للسلطة من ورطتها وأزمتها التي تعصف بها.
سمعنا بمبادرة المصالحة الوطنية التي خرجت من مجموعة من الناشطين السياسيين، وسبق ذلك تمهيد من إحدى صحف البرجوازية الكويتية، ولم نصب بالدهشة من سطحية هذه المبادرة والتفافها على التناقض الرئيسي في البلد ومحاولتها لإعادة إنتاج الوضع المشوّه ولكن بشكل خارجي يبدو معدلاً ومحسّناً، ماذا نتوقع من مبادرة كانت أحد أهم نقاطها أن يتم اختيار رئيس الحكومة من أكثر أبناء (الأسرة) كفاءة رغم التجارب الفاشلة المتكررة؟ وكيف نثق بمبادرة تدعو إلى الوحدة الوطنية ودفع عجلة التنمية وإنهاء الاحتقان السياسي ولا تشير بإصبعها نحو مكمن الخلل ومصدر المشاكل؟ إنَّ أي مبادرة تدعو للمصالحة الوطنية ولا تتطرق لمكمن الخلل ولا تطالب بنظام ديمقراطي برلماني كامل ليست إلا إحدى المحاولات السلطوية للتنفيس وللتخفيف من درجة الضغط السياسي، وإنَّ أي مبادرة لا تدعو إلى إلغاء مرسوم الصوت الواحد والعودة للإرادة الشعبية وإلى إلغاء كل القوانين المقيدة للحريات وآخرها قانون هيئة الاتصالات سيء الذكر ليست إلا إلهاءً للشعب عن الإصلاح الحقيقي، وإن أي مبادرة لا تطالب بوقف ملاحقة رموز المعارضة وشباب الحراك الشعبي أمنياً وقضائياً وإصدار قانون بالعفو العام غير المشروط ولا تطالب بملاحقة سراق المال العام ومحاسبتهم واسترداد أموال الشعب المنهوبة هي مبادرة مفتعلة من السلطة وأطراف الحلف الطبقي المسيطر وأدواتهم بالإضافة إلى من انطلت عليه ألاعيبهم.