كتاب سبر

تظاهروا تصحوا

لم يعد هناك مجال للشك بأن الوضع بأكمله أصبح خارجاً عن سياق العقل والمنطق، فلا مجال أبداً للوقوف في خندق بعيد عن الواقع المرير، في سلسلة من الأحداث المتكررة التي تنبأ بسقوط هذا البلد في وحل عظيم قد لا يستطيع أن يخرج منه أحد أبداً، كأننا نعيش في دائرة مغلقة، فيها من الفساد الشيء العظيم، فساد يعطي مؤشر بأن هذا البلد انتقل إلى رحمة الله و لم يتبق منه إلا مراسيم الدفن و إكرام الميت دفنه.
رغم كل هذا اليأس الظاهر منه والباطن، تأتي دعوة  “حشد” من حيث لا تعلمون، تعطي مؤشر بأن البرزخ – هي الفاصل بين الحياة و الموت – يدور بطريقة عكسية، كأن الحراك المصاب بشلل الأطفال، يعود مرة أخرى بدعوة أصبحت شبه رسمية للعالم أجمعين، دعوة لا تقل أهمية – بنظري – عن دعوة كرامة وطن كمحصلة عن حالة نضال استمر لسنوات، انفجر فيها الشعب من بداية السطح السياسي انتقالاً إلى العمق الاجتماعي، في لحظة تاريخية يرفض الكل فيها الوضع القائم بطريقة سلمية حضارية متكاملة الأطراف، على نفس السياق فإن الدعوة يوم الثلاثاء في ساحة الإرادة، تعطي مؤشر بأن العودة سوف تكون حاسمة من أجل إعادة إنتاج الحراك الشعبي بطريقة جديدة، دعوة تبدو معبرة عن حالة خلق أمل من أجل التغيير الممكن، دعوة لا تقف عند حدود كشف أوراق ومستندات تعبر عن حالة الفساد المزمن الذي يمر فيها هذا البلد، فلو أخذنا بهذا المنطق فأننا نسطّح الحالة النضالية بشكل غير مباشر، لأن الفساد في هذا البلد لم يعد يحتاج أي إذاعة، وحجم النهب العام والسلب مع سبق الإصرار والترصد وصل إلى مرحلة تحطيم أرقام قياسية، الفكرة الجوهرية تتمحور حول تجميع الناس من أجل خلق كتلة تاريخية قادرة على صنع التغيير الديمقراطي بكل الوسائل الممكنة، كتلة ترفع الغطاء عن آبار الغضب الكامنة في جوف هذا البلد، لذلك فأنني مؤمن بشكل قاطع بأن هذه الدعوة تؤسس إلى أرضية نضالية جديدة ساعية وراء طموح هذا الشعب بنظام ديمقراطي متكامل الأركان، لذلك لست منتظراً كشف وثائق أو أسماء من أحد، يكفيني أن يكون هناك خطاب معارض للسلطة في هذه الحالة الحرجة وعلى هذا الأساس تتشكل قوة دفع قادرة على تخطي حالة العقم الشديد في الساحة السياسية، التي أصبحت في الفترة الأخيرة لا تخرج عن سياق البيانات والشعارات، كأن التغيير الديمقراطي سلعة تشترى من السوق السوداء، الواقع يقول بأن التغيير لا يأتي إلا عن طريق حالة نضالية واسعة النطاق واسعة الجغرافيا، بمعنى أن تشارك كل القوى السياسية والاجتماعية بلا استثناء، يقابلها تحرك في كل المناطق من أجل خلق حالة وعي مجتمعي، قادر على إثبات حالة التغيير، وعلى هذا الأساس تكون البوصلة صحيحة بالمطلق.
في النهاية أود أن أوجه رسالة لمن يهمه الأمر، الوضع القائم لا يحتاج أي تأخير أو تقليل، نحن على حافة الهاوية إذا لم نكن في الهاوية أصلاً، لذلك يجب أن نبتعد عن نظريات المؤامرة والسلبية في التفكير، والقبول بالحد الأدنى من التوافق العام، لا نجعل الدعوة متوقفة على جماعة سياسية بعينها، الواقع يقول بأن حالة النضال لا تحتاج كرت زيارة، بل موقفاً يعبر عن تخطي الذات واستباق الحالة الوطنية، وكما يقول دانتي ألغييري: “أحلك الأماكن في الجحيم لأولئك الذين يتخذون موقف الحياد في الأزمات الأخلاقية”،  لذلك فإن دعوة “حشد” أصبحت فرض عين على كل مواطن يبحث عن التغيير، بغض النظر عن الخلافات السابقة فهي لا تؤسس أرضية مشتركة، بل على العكس تساعد السلطة في تقسيم المعارضة بشكل أوسع وأكبر، لا تصبحون ساذجين في خياراتكم السياسية، بل ارفعوا شعاراًُ موحداُ و هو “تظاهروا تصحوا”.
بقلم.. بدر النجار