كتاب سبر

يا زمان الوصل بالأندلسِ

يا زمان الوصل بالأندلسِ  
بقلم: خالد سند الفضالة
ضاعت الأندلس بعد ثمانية قرون من حكم المسلمين. و لم تكن اسباب ضياعها محض صدفة و مفاجئ بل كانت الأسباب سلسلة مترابطة من الأحداث و الفساد و لا مسؤولية و عدم المبالاة. وقد علمنا التاريخ في جميع الحقب ان مصير الأوطان يُعرف من صفحاته الاولى. فمتى ما اجتمعت مسببات الانهيار فلا مفر من النتيجة المحسومة. و رغم معرفة و ادراك اهل الاندلس لتلك المسببات الا انهم اختاروا تجاهلها و القبول بها واعتبارها امر واقع اعتقاداً منهم ان ذلك لا يعنيهم و ان نتائج هذة المسببات لن تأثر عليهم. ولكن سرعان ما باغتهم مصيرهم المحتوم، و ضاعت الأندلس و لم يبقى منها الا الذكريات و دموع الحسرة على ما فات.
مضى عام و عدة شهور على ركود الحراك الشبابي و الشعبي المعارض. و كنت ارى ذلك خيره لعل يفقه و يستوعب الكثير ممن اتخذ موقف سلبي تجاه المعارضة ليس لعدم إيمانه و يقينه بتفشي الفساد و استشرائه انما لنظرتهم الضيقة لأصل اسباب مشاكلنا و حصرها بشخص هنا و كلمة هناك و فعل هنا و تصريح هناك. و لعل ركود الحراك خيره أيضاً لانه اثبت بالدليل القاطع زيف ادعاءات السلطة و تزويرها للحقيقة التي انكشفت بمجرد تسليمها “الخيط و المخيط”. فلا معارضة تذكر و لا محاسبة و لا رقابة و اعلام “تتعالى صيحات النفاق منه” و رجال دولة {جدد} يمجدون السلطة “قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم آناء الليل وأطراف النهار”(1). و رغم كل ذلك لم نتقدم خطوة، ولم تتحسن جودة حياة المواطن بل اصبح الفساد يطل علينا بكل فخر يتباهى بحفظ قضيته تاره و براءته بسبب الإجراءات تاره اخرى. و سقطت ايضا اعذار من ادعى ان الاصلاح له طريق و اسلوب مختلف عن الحراك الشبابي و الشعبي. اكثر من عام و نصف مرت و لم نرى حتى بوادر تلك الطريقة او الاسلوب المختلف. بل اضحت علاقة ما يسمى بالحكومة و بالمجلس كالاعمى الذي يقود ضائعين، فاقدين كل شي و لا يمكنهم ان يعطوا شي.
هي رسالة صادقة قلتها قبل سنوات و استمريت بقولها بكل الطرق و الوسائل الممكنة لعل و عسى تستوعب الاسرة الحاكمة مفادها و معناها و تعي فحواها، رسالة نابعة من قلب يخشى عليهم منهم و لكن للأسف قوبلت تلك الرسالة بالملاحقة السياسية و السجن. و ها هي جميع المحاذير التي بينتها لهم طوال السنوات الماضية أصبحت حقيقة يشاهدونها الان أمام اعينهم. فلو لا استبدال العقلاء بالمنافقين و الناصحين بالمتملقين و الصادقين بالمتزلفين لما كان الحال هو حالنا الان. فهؤلاء لا يعنيهم سوى مصلحتهم الشخصية و هم اول من يقفز من السفينه. اما العاقل و الناصح الصادق يدرك ان مصلحة الاسرة لا تكمن بقصائد المدح و بالأغاني و بالصور و لا من خلال تسمية الطرق و المناطق إنما من خلال مصارحتهم القول و معاونتهم على الحق والإشارة إلى مكامن الخلل طالما خرجت عن إطارها.
لقد انتهت الاندلس و اختفى اهله و بقى لنا تاريخهم و العبره من اسباب هلاكهم و ان لم نتعظ فان مصيرنا الحتمي و الذي لا مفر منه هو “يا زمان الوصل” بالكويتِ.
اللهم لا تجعلنا ممن قلت فيهم و قولك الحق {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}
اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم و قولك الحق {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}