كتاب سبر

السايكس بيكييون

اتفاقية سايكس بيكو لمن يجهلها من أبناء هذه الأمة – وهم غثاء كغثاء السيل – هي اتفاقية أبرمت سريًا عام 1916 بين بريطانيا وفرنسا إبان هرم وضعف الإمبراطورية العثمانية، تم بموجبها تمزيق أوصال الأمة إلى دويلات، تشاطرتها بريطانيا وفرنسا بمباركة روسيا القيصرية. وقد نتج على أثرهذه الإتفاقية إقامة الحدود الجغرافية بين هذه الدويلات الناشئة وإضفاء هالة من القدسية الوطنية عليها وجعلها بؤر صراع مزمنة.
وهذا النهج من الدول الاستعمارية – أو إن شئت فقل الاستعبادية – ليس بمستنكر أو مستبعد، بل هو متوقع لمن يخالفنا في العقيدة والمنهج، فقد قال عليه الصلاة والسلام “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة “. ولكن الأدهى والأمر أن يتطور هذا النهج الاستعماري في عقول فئات كثيرة من أبناء هذه الأمة وحتى في أوساط النخب الثقافية، فينتقل من مرحلة الاستسلام والخضوع  إلى مرحلة التكريس والتأصيل.  فإذا ما تعرض قطر من أقطار الأمة العربية لأزمة ما وتداعى لها المخلصون بالنصح والإرشاد والمؤازرة ومد يد العون، انبرى هؤلاء السايكس بيكييون بهجوم معاكس، وغدوا ملكيين أكثر من الملك، ينكرون عليهم هذا التداعي تحت ذريعة التدخل في الشئون الداخلية، التي هي في اعتقادهم الباطل أنها فقط من شأن أهل ذلك القطر!
إن كانت قوى الاستعمار والإمبريالية قد أنهت وجودها عسكريا في أراضي الأمة، فإنها لا زالت باقية ممسكة بأطراف خيوط اللعب الرئيسة من خلال هذا الصنف، بشكل أو بآخر، الذي سيبقى شوكة في خاصرة الأمة. 
إن شعوب الأمة العربية وإن فرقت بينها الحدود الجغرافية سياسيا، فقد جمع شملها وحدة الدين واللغة والتاريخ والعادات والتقاليد والرحم، وهي بلا ريب مقومات كفيلة بحفظ أواصر وروابط الإخاء والود بينها متينة وشامخة رغم أنف السايكس بيكييون. 
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم  ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى “.
د.  جاسم الفهاد