كتاب سبر

جاسم السعدون يتحدث عن خطايا الحكومة وجرائمها الوهمية
المؤامرة والعقاب

لا علاقة لمحتوى رائعة دوستوفسكي  “الجريمة والعقاب” بموضوع المقالة، وإنما هي مجرد استعارة لأمرين، الأول هو أن العقاب رديف للجريمة ولا يجوز دون ثبوتها, والثاني هو أن الجريمة حتى لو كانت شخصية، إنما هي نتاج خطايا البيئة العامة. ففي أواخر أربعينات القرن الثامن عشر، كاد كاتب الرواية أن يعدم بعد حكم سياسي أو عقاب دون جريمة تم تخفيفه وهو على منصة الإعدام إلى أربع سنوات مع الأشغال الشاقة في سيبريا. قضاها في سجن مزدحم بغيض وسبر خلالها أغوار النفس البشرية المجرمة، وصاغ في ستينات ذلك القرن تلك الرواية. فبطل الرواية الطالب الموهوب، يقتل المرابية البغيضة وأختها في إيحاء بأنها جريمة إنقاذ لمجتمع، ذلك المجتمع الظالم الذي أتاح للرأسمالي أن يمتلك كل شيء، حتى أعراض الناس البسطاء، لتأتي تلك المرابية وتمتص ما تبقى لهم من فتات. وفي تلك الحقبة، نشأ الفكر الماركسي – مانفيستو الحزب الشيوعي وكتاب رأس المال- بعد توظيف خاطئ لفكر المدرسة الكلاسيكية إبان ثورة أوروبا الصناعية.
ولا مقاربة بين أوضاع روسيا القيصرية قبل مائة وخمسون عاماً وأوضاع الكويت الحالية، ولكن، الحكومة الكويتية ترتكب من الخطايا ما يخلق بيئة خطرة تفرز أنواعاً أخرى من الجرائم. فحتى في رواية دوستوفكسي، كانت هناك جريمة مهما كانت مبرراتها، وكان هناك عقاب مقابل الجريمة، بدعة الحكومة الجديدة، هي اختلاق جريمة، ثم قيامها بتقدير عقاب وهو الأقسى مقابل جريمة وهمية. فالحكومة، والواقع معظم مسئولي الدولة، قرروا بأن معارضتهم ما هي سوى مؤامرة لتقويض الأمن الوطني، مخططوها أطراف خارجية، ومنفذوها خونة من الداخل. تلك تهمة معلبة تسحبها الحكومات العاجزة من على الرف، وهي بضاعة رائجة في إقليمنا البائس، ورغم ذلك، تظل تهمة وليست جريمة، والقاعدة القانونية تتطلب البنية على المدعي حتى تصبح التهمة جريمة. والواقع أن الحكومة تبنت موقف ضرورة توفر البيئة من قبل المدعي في كل تهم الفساد الفاحشة، حتى الثابت منها، وطلبت من كل مدعي أن يذهب إلى النيابة العامة، وبعدها، وما لم تحفظ كما في حالة الإيداعات، أمام المتهم ثلاث درجات من التقاضي.
في تهمة المؤامرة، ليست لدى الحكومة أية بينة، لذلك تخلت عن إدعائها بضرورة اللجوء إلى القضاء لأنها تناست مقولة دولة قانون ودولة مؤسسات، وسحبت ما لا يحتمل العبث، أو ملف الجنسية، وهو آخر معاقل القيم، وأصدرت أحكاماً سياسية أعنف من حكم الإعدام على “فيودور دوستوفسكي”، أو إلغاء المواطنة. ليس ذلك فقط، وإنما استخدمته في عقاب جماعي، وفي سبيل الانتقام من اثنين، عاقبت معها نحو 60 فرداً، وآخرون بالالاف في عقاب معنوي. الحكومة، العاجزة عن بناء جامعة أو مدرسة أو طريق أو محطة مجاري، الحكومة خربت التعليم والصحة والإسكان، الحكومة العاجزة عن مواجهة الفساد الفاحش، الحكومة التي خربت كل شيء تقريباً، لم يتبقى لها سوى قيمة المواطنة لتعبث بها. تلك القيمة التي تنص دساتير بعض الدول مثل كندا على تحريك أساطيلها من أجل نجدة مواطن، تلك القيمة التي أدت إلى أن يحكم متجنس أسود نصف مسلم أعظم دولة في العالم – الولايات المتحدة الأمريكية-، وظفتها سلاحاً تستخدمه لتجريد معارضيها منها.
هكذا اختارت الحكومة الكويتية أن تتولى مهمة المدعي والادعاء ودرجات التقاضي الثلاث، وأن تحول تهمة التآمر إلى جريمة بائنة لا لبس فيها، وفي سبيل إغلاق نافذة لعرض الرأي الآخر، لا بأس لها من اتهام مواطن يملك جزءاً من ترخيصها بتقويض الأمن الوطني، وكم هو هش ورخيص ذلك الأمن الذي يشترى بتجريد مواطن من مواطنته. وهكذا اختارت الحكومة التعاضي عن عشرات الألوف من ملفات الجنسية التي تستحق التحقيق من أجل الوصول إلى العابث الراشي بالدرجة الأولى، لتنتقي أحد المعارضين وكل عائلته بدعوى التزوير في حقائق الاستحقاق للجنسية.
ما لا تعرفه الحكومة، هو أن أهم مهماتها هي التأكيد على أن لا عقاب بدون جريمة، ولا جريمة بدون بينه، وعقاب تحويل المواطن إلى بدون بقرار سياسي انتقائي، يعني أن الحكومة باتت بدون الحد الأدنى من الرشد وجاز الحجز عليها.
جاسم خالد السعدون 
5 أغسطس 2014