مواطنة «عمر».. وقهوتي!
بقلم: خلود الخميس
بعد أن قاد سيدنا الصديق، أبوبكر رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرته، حروباً طاحنة ضد قبائل الردة خلافاً لمشورة الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرته ورزق المسلمين خليفة بعدله، جاء عهد الثاني ليبدأ رحلة المواطنة، مواطنة الدولة الإسلامية.
عاصر ابن الخطاب جهادين، الفتوحات حتى كسر شوكة الفرس وهزم الروم وضم مناطقهم للدولة الإسلامية، وجهاد تسكين المسلم في ظل دولته، وتمكينه من ثرواته، وتوفير حاجاته وأساسياته، ولم يغفل عن أهم ما تعلمه من القرآن، قيمة الإنسان فقد قال «ليس الرجل أميناً على نفسه إذا أوجعته أو أوثقته أو ضربته».
فاروق أنت يا عمر، فقهتَ فعدلتَ فحكمتَ كإنسان يرى نظيره لا يؤتمن «حقاً» إلا إن توفر له الشبع والحرية والكرامة.
وبالرغم من أن أحد أهم أسباب رسالته لعمرو بن العاص بالرجوع عن فتح مصر، أن أغلبية جيش الأخير كانت من قبائل الردة، ففضل أن يمدهم بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين تربوا على يديه لرسوخ إيمانهم، إلا أنه أول من أشرك «قبائل الردة» في مشروع الفتوحات الإسلامية!
تناقض ؟ لا. انها الإدارة الفاروقية للمواطنة.
أراد بقراره هذا أن يدمجهم ويصهرهم مع المجتمع الإسلامي القائم على مبدأ الجسد الواحد والأخوة في الله، وليشغلهم بما هو نافع لدنياهم ودينهم، فالجند لهم رواتب ولم يرضَ عمر أن يميز بين المسلمين بل ينتفع الجميع بحقه في الدولة.
ورغم الحذر في سبيل الله الذي رافقه إلا أنه قُتِل من مجرم يصلي خلفه في الصف الأول مع المسلمين، فمن يثق بعامة المسلمين أصلاً، كيف يشك في مصلي الصف الأول؟!
عمر قرأ الإسلام بعقل أولئك الذين مدحهم حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم بخير القرون، تفوق على ترابيته البشرية، ارتدى جلباباً خشناً مرقعاً ولكنه من نور فهمه من علاقته بالقرآن والسنة، فعلم أن خطر إقصاء قبائل الردة أكبر من نفعه، وأنه مفسدة ستنعكس على جسد الأمة الواحد، في أهم مرحلة من مراحل البناء، مرحلة النهضة للبشرية وتشكيل الحضارة الإسلامية.
المواطنة كما فهمها ابن الخطاب، خليفة المسلمين، أمير المؤمنين، الذي كان يسمي نفسه (عبدالله عمر) برسائله لعماله في الولايات، أن الإسلام أحضان للبشرية جمعاء.
مواطنة يحكم فيها الإسلام، وتعيش في كنفه كل الأديان بأمان وعدل (انقش هذا التعريف في قناعاتك فهذا الإسلام).
مواطنة تساوي في المعاملة في حقوق وواجبات السكان، وتسمح للأديان بالاحتكام لشرائعها، لا تظلم فيها الدولة أحدا.
مواطنة نتج عنها منع الفاتحين من شراء العقارات من أهل الذمة في المناطق المفتوحة، فقد فكر عمر في أنهم قد يبيعون خوفاً من شوكة المسلمين مكرَهين بلا رضا، إنها التقوى.
منع جند الدولة الإسلامية من الشراء بأموالهم، حتى لا يفهم أن الإسلام جاء ليهجِّر أهل الأمصار الأصليين بعد الفتح وأنه مشروع استيطان واستبدال، بل مشروع عالمي للحكم بالعدل والنصر بالعمل، يصلح لكل زمان ومكان وإنسان.
تلك مواطنة عمر، لم تعيّر المرتدين بذنب تابوا عنه، بل أشركتهم بجيوش الفتح الإسلامي الذي كانوا يقاتلونه من قبل أثناء ردتهم.
عمر طبق العدالة الاجتماعية لإيمانه بأنها أساس الحكم، أساس الخلافة، أساس وأصل في انتشار الإسلام صلحاً بعهود، أكثر من توسعه فتحاً بقتال.
آه وآه، وكم ما بين السطور أعلاه من آهاتٍ أخفتها الكلمات وأنا أكتبها حتى شحب وجه قهوتي، سأعد أخرى، فوجه القهوة الطازج، من متع الدنيا التي ما زلتُ متمسكة بها، لو كنتُ في عهد عمر وفي رعايته، ما تجرأتُ حتى على التفكير في تبديل فنجان قهوة بآخر لأن شكله تشوه، ولشربته بكل حال، وأنا راضية هانئة سعيدة، ذلك لأن قدوتي سيكون تورّع عن شرب القهوة معتبرها ترفاً، ومجرد وجود مسحوق لفنجان واحد في خزانتي يفوق حد كفاية الحاجة.
رحم الله عمر، رحم الله عمر…
أضف تعليق