ديموقراطيتنا.. وحذاء الغرب
بقلم: ذعار الرشيدي
محاولة فصل القيم المجتمعية في أي بلد عن السياسة هي محاولة فاشلة، خاصة في محاولة تطبيق كامل الشكل الديموقراطي والحريات في بلد عربي، فالديموقراطية الغربية لا تصلح لنا بشكلها الذي انتهت إليه، ومما لابد لنا ان نفهمه هو ان الديموقراطية الغربية قطعت رحلة بل رحلات زمنية طويلة جدا في مجتمعاتها حتى انتهت الى الشكل المثالي الذي انتهت إليه الآن من احترام لقيمة الفرد والتحول الى الفكر المدني القائم على اعتبار ان كل فرد قيمة إنسانية بغض النظر عن عرقيته أو لونه أو دينه أو مذهبه.
في العالم العربي لدينا قيم مجتمعية مختلفة تماما عن القيم المجتمعية الغربية، شكل وتفكير مجتمعي مختلف تماما، ومحاولة إلباس المجتمع العربي رداء الديموقراطية الغربية الحالية بمفهومها الكامل هي كمحاولة الطفل الصغير ارتداء حذاء أبيه والسير به، سيكون الأمر مجرد تقليد لا أكثر، وسيكون من الاستحالة السير بحذاء الأب.
في الكويت مثلا، وهو ربما المثال الوحيد الاستثنائي في المنطقة العربية، ولدت لدينا ديموقراطية وفق مقاسات فكرنا المجتمعي، وعشنا معها لأكثر من نصف قرن، وكانت هناك ولا شك مثالب في التطبيق ومثالب أخرى في الممارسة، ولكن ورغم تلك الأخطاء زرعت الديموقراطية على مدار اكثر من 50 عاما فكرا ديموقراطيا حقيقيا وحرية حقيقية أصبحت جزءا من الفكر المجتمعي هنا، واليوم نحن أحوج ما نكون إلى تأصيل الفكر الديموقراطي، وليس الرجوع عنه.
الدستور اليوم ليس بحاجة الى تعديل او تنقيح كما دعا ويدعو البعض على الدوام، بل بحاجة الى تطبيقه كاملا غير منقوص.. نعم، يتهم بعض الساسة ان دستورنا جامد، ولكن قبل ان نفكر في الدعوة إلى تغيير بعض مواده أو تنقيحه لابد من تطبيقه كاملا، ليس لأنه افضل الدساتير المكتوبة في المنطقة العربية بل لأنه الدستور الوحيد في المنطقة الذي يقترب من الفكر المجتمعي ويتسق معه بنسبة كبيرة جدا.
وبالأمس نشرت «التيليغراف» تقريرا على لسان السفير البريطاني السابق في منطقة الشرق الأوسط أندرو غرين يذكر فيه استحالة تطبيق الديموقراطية الغربية في الدول العربية، ويقول غرين الذي عمل سفيرا لبريطانيا في كل من العراق وسورية إن السلطة الحقيقية في المنطقة العربية ليست للقانون وإنما للعصبيات سواء الأسرية أو القبلية، فالسياسة وفق منظوره في المنطقة هي عبارة عن تبادل خدمات بين مواطنين تربطهم روابط أسرية أو قبلية في ظل غياب نظام اجتماعي يضمن حقوق كل فرد.
وتقرير السفير غرين يكاد يطابق كامل الحقيقة في غالبية الدول العربية، ونحن في الكويت لاتزال لدينا مشكلة وهي ان مخرجات الانتخابات لاتزال تخضع للمعايير المذهبية والأسرية والقبلية بنسبة كبيرة، لذا كانت التغييرات في كل مجالس الأمة في الوجوه والأسماء فقط، ولكن أعتقد ان هذا الأمر الآن بدأ يتغير في الكويت ونحن بحاجة الى وقت اكثر حتى نصل الى نقطة توازنية في الاختيار وفق الكفاءات لا وفق العرقية، ومثل هذا التغيير لا يتم في عام او عامين بل بحاجة الى مزيد من الوقت ومزيد من الممارسة الديموقراطية فأعمار الشعوب لا تقاس بالأيام.
نعم، ديموقراطيتنا لا تشبه الديموقراطية الغربية إلا في الشكل فقط، ولكن هذا لا يمنع القول بأننا على الطريق الصحيح أو في بداياته على الأقل، ونحن في الكويت نقترب من جوهر الشكل الديموقراطي الحقيقي أكثر من غيرنا.
أضف تعليق