كتاب سبر

تفاحة الوشيحي

ما الجاذبية الأرضية يا مولانا؟ أغلبكم سيسرد قصة تفاحة نيوتن, وكيف سقطت على رأسه عندما كان مسترخيًا تحت شجرة “لينكولنشير” الشهيرة, البعض سيحدد لون التفاحة ويرجّح حمرتها أو اخضرارها, والبعض سيقلب خياراته حول نوعها وهل هي تفاح “القولد ستار” أو “الكودلين” أم تفاح “كوكس ” المشهور، التفاحة لن تفارق خيالكم, ونيوتنها المنتظر تحت الشجرة سيبقى “على البال” يعزف على كمان الفيزياء  لحن العبقرية, ولكن مع تقديرنا لكم, وللتفاح, ولنيوتن، كل الإجابات السابقة خطأ.
الجاذبية لا تحددها قصة جميلة كقصة تفاحة نيوتن, بل تقيم آودها معادلة معتبرة تنص على أن  قوة الجاذبية  = ثابت الجذب × الكتلة الاولى × الكتلة الثانية ÷ مسافة البعد بين الكتلتين. 
جواب التفاحة الأول أسهل ولا شك ولكن لكي تصل إلى الحقيقة فلا بد من ركوب الصعاب والغوص في لجة محيط المعادلات الشاملة في حال كنت تريد فعلاً قطف درر الحقائق. أما إن كنت يا سيدي “تدوّر السوالف” فهاك صحن “التفاح النيوتني” أمامك، وعليك بالعافية و”سامحنا على القصور”.
أ‌.محمد الوشيحي أجاب في مقال سبري له على سؤال حول جاذبية أخرى اسمها الجاذبية الإنسانية, لم يذكر التفاحة إياها ولم يتغزّل بحمار خدودها ولم يسطّر حرفا واحدًا من اسم نيوتن المسترخي, ولم يقل أن جنسية سقطت على راس فلان أو علان عندما كانوا مسترخين تحت شجرة الانتماء, لا فقط أجاب بأن القضية أكبر وتحكمها معادلات أشمل, معادلات إنسانية تجذب سفينة الإنسان نحو شواطئ أخيه الإنسان, همّها رقم صعب يضرب في مربع همّ أصعب, ولحاصل قسمتها ونصيبها باق إنساني يوجد في كل ضمير حي. معادلات تجمع شتات الواقع وتطرح قضية عوائل فقدت مصدر رزقها وتبدل حالها من “الألف” إلى “الصفر”, قضية أشجار اقتلعت من جذورها وما زالت أغصانها مطالبة بحساب الحقل والبيدر, ثمار المعيشة وفواكه القروض, وحبوب ضغط الالتزامات.
مقالة اجتماعية بحتة ووفق معطيات التكافل لا أكثر, خاطب قومه ليعينوا قومه، أوليس الأقربون أولى بالمعروف؟ فأين موقع السياسة من إعراب المرء عن حنوه على لحمه ودمه, أين نقاط السياسة الملثمة التي شوهدت تحوم حول سطور مقال اجتماعي بحت, القبائل تجتمع من أجل عرس, وتجتمع من أجل عزاء فلمَ لا تجتمع من أجل وفاء لهموم أبنائها؟ ألم يذكر الدستور التعاون والتراحم في مادته السابعة ويشدد في مادته التاسعة على حماية كيان الأسرة كونها أساس المجتمع, فها هي روح الدستور يا أسيادنا تدعوكم إلى ما دعى إليه الوشيحي, ثم  أليست السياسة هي فن الممكن؟ فأين عثرتم على بصمات ممكن على جدار مقال “لا ممكني”, مقال كل فقرة فيه تقول “ان الظفر لا يمكن يطلع من اللحم “, وأن روعة التاريخ لا يمكن أن تكون قصيدة تُكتب في ديوان وتُنشد في ديوان آخر، بل روعته تكمن في مقصد كريم يتلوا ترانيمه لسان حال نخوة وشيمة.
إن كان العلمانيون الجدد يطالبون بفصل السياسة عن القبائل فحيهلا، نحن معهم, فالقبيلة كيان اجتماعي أولاً وأخيراً, ولكن إن أريد للفصل ان يكون عبر جدار عازل للصوت الإنساني, يمنع همسات الأخ ان تصل إلى صيوان أذن اخيه فـ”لا هلا”, فهذا والله “فصل بايخ” يشبه فصل خريف سقطت من على أغصان أشجاره تفاحة على رأس عالم, فترك القوم العالم, وأفكاره, ومعادلاته وتراكضوا لمنح التفاحة جائزة نوبل في الفيزياء لأنها “اسم الله حارسها” اكتشفت قانون الجاذبية.