كتاب سبر

لا عذر لكم

عندما تصاعدت قبل أيام شكوى الكثير من الوافدين على تفعيل وزارة الداخلية المفاجئ لغرامات تحديث بياناتهم، طالب بعض نواب مجلس الأمة الحكومة بالتريث في تطبيق الغرامات لأنها تتحمل جزء من الخطأ. ما لفت نظري في هذا الموضوع هو مناشدة النائب سيد عدنان عبدالصمد لسمو الأمير تأجيل تطبيق الغرامات على الوافدين، ومن المعروف أن سيد عدنان لا يستخدم في العادة أسلوب المناشدات إلا للشديد القوي. عندما قرأت خبر المناشدة قلت في نفسي إذا كانت معاناة عدد من الوافدين من ظلم التطبيق المفاجئ للغرامات تستحق مناشدة الأمير، فلماذا لا يناشد سيد عدنان الأمير لرفع الظلم والجور الفادح الذي يتعرض له البدون منذ عشرات السنين؟! 
ولكن لأن عضو مجلس الأمة لا ينبغي أن يلجأ إلى أسلوب “المناشدة” من الأساس لأن لديه صلاحيات دستورية يستطيع تفعيلها إذا ما رأى ظلماً يقع على كاهل الناس، فإننا نسأل سيد عدنان وجميع النواب الحاليين والسابقين هل كنتم ولازلتم جادين في إيجاد حل لمعضلة عشرات الألوف من البدون الذين يعانون أوضاعاً إنسانية بائسة، ومستقبل مظلم يدفع بالعديد من شبابهم إلى الإنتحار؟!
ألا تستحق هذه القضية الإنسانية بإمتياز إستجواباً لرئيس الوزراء، أو على الأقل لوزير الداخلية؟! قد يرد أي من النواب بالقول أنه ما فائدة استجواب لا يؤيده إلا القلة، ولا يأتي بنتيجة مفيدة. الجواب هو أن الاستجواب حتى ولو لم يحقق نتيجة عملية، فإنه في المقام الأول هو إبراء للذمة أمام الله من الظلم الذي يتعرض له عشرات الآلاف من البشر، وثانياً أن الاستجواب يمنح نوعاً من الراحة لهؤلاء المستضعفين، عندما يشعرون بأن هناك من يحس بمعاناتهم.
هل الإدعاء المستهلك بحاجة البلد إلى استقرار سياسي يبرر تخاذل مجلس الأمة الحالي والمجالس السابقة عن محاسبة الحكومة عن إستمرار هذه الأزمة الإنسانية المزمنة؟! هل يقبل الدين أو الأخلاق أو الحس الإنساني أن يُترك مصير عشرات الآلاف من البشر المستضعفين بيد صالح الفضالة ليتحكم به وفقاً لنظرته العنصرية المغرقة في النرجسية؟! لا أعتقد أن هناك أي عذر يمكن أن يشفع لهؤلاء.
بالطبع المسؤولية لا تقع على أعضاء مجلس الأمة فقط، بل تشمل المجتمع بأكمله من خطباء مساجد وجمعيات خيرية وتجار وكل من بإستطاعته مساعدة هؤلاء المظلومين. بدلاً من الدعوة لحملات لتجميع عشرات الملايين لدعم القتال في دول أخرى ألم يكن الأولى أن تُصرف هذه الملايين على هؤلاء المحتاجين،؟! وبدلاً من تفاخر الجمعيات الخيرية بإغاثة ومساعدة مئات الألاف من المحتاجين في مجتمعات أخرى ألم يكن من الواجب أن تتم مساعدة من يعيشون بين ظهرانينا؟! هل يعجز تجار الكويت الموسرين ممن يملكون حساً إنسانياً عن إنشاء مشروع أو صندوق تكافلي لسد حاجات هذه الفئة المستضعفة؟!
خلاصة القول أن الجميع، وإن بدرجات متفاوتة، مسؤولون شرعياً وأخلاقياً عن السعي لإنهاء أو على الأقل تخفيف معاناة أخوة لنا في البشرية، ولا عذر لأحد في التخلي عن مسؤوليته. ولنتذكر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : الناس إثنان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”.
د. صلاح الفضلي
@salahfadly