آراؤهم

عبدالله بن عبدالعزيز .. رحيله أحزن أمة!

الحديث عن شخصية كبيرة يضع المتحدث في صعوبة, تكمن الصعوبة في إيجاد المفردات المناسبة لهذه الشخصية, فما بالك بمقام الراحل الحاضر الملك عبدالله بن عبدالعزيز, لا شك بأن الصعوبة مضاعفة وعصيان القلم أكثر في نسج حروف وكلمات مُعبرة تُرثي الحال قبل أن ترثيه رحمه الله.
 
صدق والله من قال بأن الطيبون يرحلون, ولكن تبقى آثارهم وأعمالهم الطيبة والنبيلة, وذكرهم بالخير على كل لسان نقي, هم فقط رحلوا بأجسادهم وهم أحياء في قلوبنا, وإني أرى مليكنا الغالي عبدالله حيٌ يعيش في قلوب ملايين من شعبه الوفي وملايين آخرين من هذا العالم.
 
الموت لو يعرف الحرام -أستغفر الله- لم يأخذ الذي أحبه الكل, ذلك الإنسان عبدالله بن عبدالعزيز, وهو الذي تنازل عن كل الألقاب وفضّل لقب واحد وهو خادم الحرمين الشريفين, ما أعظمه من لقب .. وما أعظمها من خدمة!
 
العزاء على كل العالم خيّم, وفي كل مسكن سعودي أقيم العزاء على فقيد أمة, الحب لم يأتي من شعبه وإنما من شعوب أخرى أيضًا منها عربية وغير عربية, نالها بتشريف من الله ثم بعروبته وشجاعته وكرمه وطيبته وحنانه وقوة شخصيته وغيرها من الخصال الحميدة التي كان يتمتع فيها رحمه الله.
 
تلقيت خبر رحيل سيدي وأنا تحت تأثير الصدمة, لم أصدق الأخبار التي توالت علي عن وفاته -غمّد الله روحه الجنة- وفي النهاية صّدقت الخبر المفجع والمحزن, لأن وردتني أخبار من ثقات ومن الأسرة الحاكمة, المصاب جلل صحيح ولكن ينبغي أن يعلم الجميع أن هذه حكمة الله والراحل علّمنا من إيمانه وكيف نصبر عند المصائب ونحتسب, ومن الأمثلة الواقعية عنه تأثره الشديد عندما توفي ملك الأردن السابق.
 
في الماضي كنا نقول حفظه الله والآن رحمه الله. الصبر هو ترجمة الحياة, ولا قيمة للحياة من دون صبر, الصبر سلاحنا أمام أي مصيبة أو فاجعة.
 
أبو متعب أتعب من بعده من الملوك والرؤساء, أعتبره وينبغي أن يكون قدوة من قبل قادة الدول, في أقل من 10 سنين قدم ما لم يقدمه ملك في 40 سنة! 
أتشرف بأنني كتبت عن عبدالله بن عبدالعزيز وهو حي, وها أنا في هذه السطور أرثيه وأعزي نفسي وأمتي, للقلم قيمة ترتفع وتنخفض, وفي مثل هذا الموقف لا شك بأنها ترتفع, لماذا؟ لأنه يكتب عن شخصية لها ثقلها في كوكب الأرض وليس في دولة أو مدينة, حمل على عاتقه هموم وقضايا نبيلة, فنال شهادات رفيعة المستوى ومحبة الملايين.
 
في أيام العزاء الثلاث وحتى بعدها, توافدت جموع غفيرة من المعزين من كل الأطياف والأجناس, قادة ودبلوماسيين ومواطنين إلى آخره. وهذه ما هي إلا دليل محبة واحترام وتقدير لمليكنا رحمه الله, كيف لا يحدث هذا وهو أحد عظماء العالم في وقتنا المعاصر.
 
لا أنسى; عندما كنت تسقي الظمآن من يدك الكريمة, وعندما كنت تمسح على رأس اليتيم من يدك الحانية, وعندما كنت تقدم لأبنائك وبناتك من يدك الأبوية, وعندما كنت تأمر بعلاج المرضى أي كان عرقهم أو دينهم أو جنسهم على نفقتك الخاصة, وعندما تتجول بكل بساطة وتواضع غير مستغرب في منازل الفقراء والمحتاجين لتفقد أحوالهم ومساعدتهم, وعندما كان يوصي ويحذر الوزراء والأمراء الذين نالوا شرف ثقته الملكية, وعندما كان يسأل يوميًا عن حال شعبه وعن كل منطقة من مناطق المملكة حيث لا يستقر قلبه ولا يغمض جفنه حتى يعلم بأنهم بخير حينها يكون بخير.
 
لن تغيب; ابتسامتك وخفة ظلك التي عهدتها منك, ورسائلك إلينا كشعب تنبع حكمة وطيبة وجود, وخدماتك الوطنية والدولية, وإنجازاتك التي لم يسبق لها مثيل في الحرمين الشريفين, وبصماتك في كل شأن من شؤون الحياة, وخيراتك التي في أرجاء المعمورة.
 
تقدر المساعدات الإنسانية المالية, في عهد أبو متعب بأكبر المساعدات في تاريخ مملكتنا الكريمة والعزيزة, وهذه دليل محبة وكرم الشعب السعودي النبيل المتمثلة بالحكومة الرشيدة لشعوب العالم خصوصًا الإسلامية منها.
 
رحيل حكيم العرب, الذي أمضى حياته حتى قبل أن يتولى زمام الحكم ليصبح ملكًا, في إتحاد العالم الإسلامي والعربي وعدم تفرقه, وإن كانت بخير فالسعودية بخير, كان يحب كل الأوطان العربية ولا يفضل واحده على أخرى, ومن الأعمال ما لا يعد على الأصابع, ومن أحدثها قبل وفاته -رحمه الله- الوساطة في إعادة العلاقات بين مصر وقطر.
 
عبود ناصر القحطاني مواطن سعودي عبر عن مشاعره الحزينة في رحيله وأكثر من الدعاء له, في إحدى البرامج التلفزيونية.
أحد أبناء عبود يتلقى العلاج من مرض السرطان -عافانا الله وإياكم- خارج المملكة على نفقة الملك السادس للمملكة العربية السعودية, وللأمانة وصل عطف ولين ورحمة والدنا عبدالله -رحمه الله- إلى أبعد من ذلك .. إلى غير المسلم, لكي يعطي للعالم درسًا بأن الإسلام دين رحمة وتسامح.
 
آمن عبدالله بن عبدالعزيز بمبدأ الحوار, لذلك تم إنشاء مركزًا عالميًا لحوار الأديان, وبالمناسبة هو أول ملك للسعودية زار الفاتيكان, متمثلاً بالآية الكريمة} ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة { صدق الله العظيم.
 
سبحان من أعطى لتواضع عبدالله بن عبدالعزيز هيبة, الهيبة لا يمكن أن تُصنع وإنما تعطى, هي هبة من أكرم الأكرمين, له هيبة عظيمة مع تواضع بسيط وهذه من الصعب تجتمع في آن واحد.
 
يعد الملك عبدالله بن عبدالعزيز من أكثر قادة العالم تبسمًا وعفوية دون تكلف حتى في الحديث, ولا يفعلها تصنعًا كما يفعل كثير من قادة العالم من أجل عدسات الكاميرات, كان يتحدث -رحمه الله- إلى شعبه بحب وتلقائية وصدق.
لا يقبل أن يأتيه مواطنًا شاكيًا من ظلم أو تقصير في أي خدمة حكوميةK ,يقبل أن يعامل المواطن كمعاملته من الوزراء وكبار الموظفين وصغارهم.
 
مراحل تشييع جثمان الراحل عبدالله بن عبدالعزيز أدهشت العالم, وأقصد بالعالم هذا غير المسلم, إحدى الصحف البريطانية عنونت صورة قبره “تحت هذا التراب البسيط, يرقد واحد من أكثر شخصيات العالم قوة وتأثير”, لا ألومهم لأنهم لا يعرفون تعاليم الإسلام في جثمان المسلم, حيث البساطة وليس التعقيد والتكلف الذي نراه عندهم.
 
ثاني يوم من أيام عزاء الوطن, وأنا أسير في الشارع بسيارتي, لم أستطيع أن أكمل تعازي الناس على الإذاعة, أحزنتني تلك الأصوات الجالبة للحزن, مما دعاني إلى إيقاف الصوت والاكتفاء برؤية طريق الملك عبدالله الحزين هو الآخر.
 
رحل من كان لنا كالأب وكالأخ وكالصديق وكالحبيب, رحل من نرى عوضه أخيه الملك سلمان, نعم مفجعون ومجوعون ولكن هذا قضاء الله وقدره, وهذا يحتم علينا الصبر والرضا.
وفق الله الملك سلمان وولي العهد مقرن وولي ولي العهد محمد لما فيه خير وصلاح للبلاد والعباد وأن يريهم الحق حقًا ويرزقهم إتباعه ويريهم الباطل باطلاً ويرزقهم إجتنابه وأن يرزقهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الخير وتدلهم عليه .. آمين.
 
فيصل خلف
كاتب سعودي