كتاب سبر

بقلم النائب السابق.. د.فيصل المسلم
حقيقة فضيحة التحويلات المليونية لرئيس الوزراء السابق ناصر المحمد

قبل أيام ، في 2 فبراير، نقلت وسائل الإعلام إعلان ثلاثي لجنة الأولويات (الحكومية) : د. يوسف الزلزلة (أحد النواب المتهمين بالإيداعات) و د. علي العمير (قلب الدفاع عن رئيس الوزراء السابق ناصر المحمد في جلسة عدم التعاون التاريخية في استجواب المصروفات والشيكات) و محمد عبدالله المبارك (الواجهة التنفيذية لكل المصائب الحكومية خلال السنوات الأخيرة) .. أعلنوا أن في جلسة 10 فبراير الحالي لمجلسهم ستُقدم مناقشة تقارير لجان التحقيق البرلمانية وتقارير ديوان المحاسبة على غيرها من بنود ، وأنهم اتفقوا على إحالتها للحكومة !! (سبر الالكترونية 2015/2/3).
والواضح أن قرار حفظ اللجنة الخاصة بمحاكمة الوزراء للبلاغ “المرتب” المقدم ضد رئيس الوزراء السابق ناصر المحمد في ملف التحويلات المليونية وتقرير ديوان المحاسبة فيها سيكونان حجة اللجنة البرلمانية ومن ثم مجلس الحكومة لتبرأة المحمد وشركاؤه في هذه الفضيحة .. والمعلوم يقينا أن التحقيق السياسي الذي تقوم به مجالس الأمة بأسم الشعوب يختلف تماما عن التحقيق الفني او التحقيق الجنائي من حيث اختصاصات وسلطات وأدوات وأهداف كل منهم . ومقارنة فاحصة بين قرار التحقيق الجنائي وتقرير ديوان المحاسبة في تحويلات المحمد بتفاصيل تحقيق لجنة التحويلات في مجلس فبراير 2012 تؤكد هذه الحقيقة . وفي هذا السياق أتحدي لجنتهم ومجلسهم أن يرفقوا تقريرهم بوثائق وتسجيلات إفادات الشهود الموجودة في اللجنة .
كانت طوام الإيداعات النقدية في حسابات بعض نواب مجلس 2009 وتحويلات ناصر المحمد المليونية ، إلى جانب فضايح مصروفات ديوانه وشيكاته للنواب ومصروفاته السرية ، أبرز محفزات الحراك الشعبي المحارب للفساد في السنوات الأخيرة والذي بلغ ذروته باحتشاد عشرات الألآف من كل فئات الشعب الكويتي في ساحة الإرادة ينادون بعزل “بطلها” رئيس الوزراء السابق ، وإقالة حكومته ، وحل مجلس “القبيضة” ، والدعوة إلى إنتخابات جديدة ، وتكليف رئيس وزراء جديد “بنهج جديد” .
ولأول مرة في تاريخ الكويت جاءت الإرادة الشعبية في إنتخابات فبراير 2012 بأغلبية برلمانية حرة بادرت من فورها بتشكيل لجان تحقيق برلمانية في فضايح التحويلات والإيداعات وأعلنت أولوياتها الإصلاحية الدستورية والتشريعية ذات “النهج الجديد” الذي يوجد دولة المؤسسات ويمنع وصول من لا يستحق لمناصب الإدارة العليا .
وخلال 3 شهور قطع برلمان فبراير 2012 ذو الأغلبية المعارضة لنهج الفساد شوطا كبيرا في تحقيقات التحويلات والإيداعات وبدأ واضحا بما توافر من وثائق وشهادات إدانة “أبطالها” فكان قرار المواجهة .. فبعد إبطال المجلس تم نسف قانون الانتخابات بحيث يُضمن عدم وصول أغلبية 2012 أو مثيلها لأي مجلس قادم حتى لا يُستكمل كشف المستور ومحاسبة المتورطين .
وخوفا من تفجر غضبة الشعب مرة أخرى تُرك حسم فضايح الإيداعات والتحويلات عمدا لأكثر من سنتين وذلك حتى يأتي الوقت المناسب لإنهاءها على الوجه الذي يُبرء ساحة المتورطين فيها ، اذ فيهما من السوء والشرور ما قد يمنع أبطالها تولي أي مسؤولية مستقبلا وبالتالي لا بد من تبييض الصفحات السوداء . واليوم تتداعى مصالح كبار ذوو النفوذ والمال على حساب مصلحة الكويت وأهلها بأن وقت حسمها قد حان .
وبحكم الأمانة ومسؤوليات رئاسة لجنة التحقيق البرلمانية في تحويلات ناصر المحمد المليونية في مجلس فبراير 2012 أجد واجبي تجاه الشعب والبلد والتاريخ إشراكهم بأهم ما علمنا.
ما هي التحويلات المليونية؟
– التحويلات المليونية هي مئات الأوامر التحويلية التي تمت بأمر من ناصر المحمد خلال فترة رئاسته للوزارة لكبار المسؤولين في وزارة الخارجية لتحويلها من ميزانية الوزارة الى بعض السفراء .
– قام السفراء بنقل هذه الأموال العامة من حسابات السفارات الحكومية إلى حسابات خاصة باسماءهم مخالفين بذلك كل النظم واللوائح والقرارات القانونية في هذا الشأن .
– بلغت قيمة هذه التحويلات عشرات الملايين من الأموال العامة وقد كان لافتا تركز أكثر من 90% منها في جنيف ولندن ونيويورك .
– وبناء على توجيهات ناصر المحمد وحده دفع السفراء هذه الملايين لأشخاص هو حددهم لهم .
وبعد تحقيق دام شهور عقدت اللجنة البرلمانية في مجلس فبراير 2012 لأجله أكثر من 25 إجتماعا استغرقت عشرات الساعات استضافت فيها أهم وزراء حكومات ناصر المحمد ورئيس الوزراء الحالي وكبار المسؤولين في وزارات الخارجية والمالية والداخلية ، البنك المركزي ، هيئة الإستثمار ، مجلس الوزراء وديوان رئيس الوزراء وديوان المحاسبة ، كما تم انتداب رئيس اللجنة لزيارة الجهات المختصة للإطلاع على الوثائق ذات الصلة (ديوان رئيس الوزراء ، البنك المركزي ، وزارة الخارجية) .. بعد هذا كله أقولها للتاريخ: لم يثبت للجنة التحقيق أن تحويلات ناصر المحمد المليونية قد تمت وفقا للدستور والقوانين النافذة ، أو أنها أُنفقت في شأن عام حقق للبلد مصالحه ، أو أن المحمد قد أرجع هذه الأموال لميزانية وزارة الخارجية التي صرفت منها .
حقائق ذات دلالات (1) :
– ان الخط العام لشهادات رئيس الوزراء الحالي جابر المبارك والوزراء السابقون أن هذه التحويلات المليونية لم تناقش في إجتماعات مجلس الوزراء وبالتالي لم تقر وأنهم لم يعلموا عنها إلا بعد إثارتها إعلاميا .. وأبدوا رفضهم لها .
– شهد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية آنذاك د. محمد صباح السالم أن هذه التحويلات التي صُرفت من أموال وزارة الخارجية ومن خلال أجهزتها ومسؤوليها بأوامر رئيس الوزراء السابق قد تمت دون علمه رغم أنه الوزير المختص والمسؤول عن تحقيق مصالح الكويت في وزارته .
– كما شهد د. محمد الصباح أن ناصرالمحمد طلب منه عدم إجابة أسئلة الأخ مسلم البراك الخاصة بهذه التحويلات بزعم أنها من أمواله الخاصة ولا يحق لأحد أن يسائله عنها .. وعليه أدرك خطورة الأمر والحاجة لاصلاح واسع فقدم استقالته .
حقائق ذات دلالات (2) :
– بعد عرض بعض من وثائق التحويلات المليونية عليه بين رئيس ديوان المحاسبة السيد عبدالعزيز العدساني أنه لم يطلع عليها من قبل وأن الجهات الحكومية ذات الشأن لم تعرضها على الديوان .
– لم يقدم أحد من السفراء أو أحد من وكلاء ديوان ناصر المحمد أو أي من قياديي وزارة الخارجية إلى لجنة التحقيق ما يثبت “صرف” هذه الملايين من الأموال العامة ، أو لمن أعطيت ، أو سبب هذا العطاء ، أو المنفعة التي تحققت للكويت مقابل ذلك العطاء !!
– أقر بعض السفراء أنهم دفعوا نقدا ملايين من دنانير الشعب الكويتي لأشخاص لا علاقة لهم بالعمل السياسي ومجهولين بالنسبة لهم !!!
– لم تُزود لجنة التحقيق بأي موافقات لمراقبي وزارة المالية الموجودون بوزارة الخارجية تتعلق بأي من هذه التحويلات التي تمت !!
حقائق ذات دلالات (3):
– بلغت تحويلات ناصر المحمد عشرات الملايين مما يعني إستحالة تغطيتها من البند المعتمد لها (بند المصروفات السرية لديوان رئيس الوزراء السابق) البالغ بضعة ملايين !!
– وجهت اللجنة الدعوة للرئيس السابق ناصر المحمد مرتين لمواجهته وسماع وجهة نظره بالأدلة وإفادات الشهود ولكنه أصر على عدم الحضور بدعوى أنه لم يعد في منصب حكومي !!!
– أن يفصل مجلس عدد كبير من أعضاءه متهمين بفضايح الإيداعات والتحويلات في تهم تمسهم أمر يناسب سياسات هذه المرحلة وسيخلده تاريخ الكويت طويلا !!
تساؤل له ما بعده:
– عند تفجر فضايح الإيداعات والتحويلات قدم مرزوق الغانم و كتلة العمل الوطني في مجلس 2009 طلبا للمجلس بندب النائبين السابقين عادل الصرعاوي و د. حسن جوهر لزيارة جهات الإختصاص وتقديم تقرير بذلك للمجلس .. والسؤال لماذا لم يجدد مرزوق تقديم هذا الطلب بعد توليه الرئاسة ؟ ظني دفعا لفاتورة رئاسته وتنفيذا لجزءه الخاص بترتيبات المستقبل تعمد مرزوق دعم إعادة تشكيل لجنة مجلس بوصوت للتحويلات والايداعات لأنها الأنسب لتسوية هذه الملفات ، ويرجح إعتقادنا هذا عدم تفعيل مرزوق لصلاحياته الكبيرة خاصة بعد تعيين الصرعاوي نائبا لرئيس ديوان المحاسبة والتي تُعد أضعاف مضاعفة لصلاحيات نائبين يندبان للاطلاع وتقديم تقرير يفصل فيه مجلس 15 من نوابه متهمين بالإيداعات ورئيس الوزراء هو المتهم الرئيسي بالتحويلات .
توصيات كانت مقترحة:
– كانت لجنة التحويلات في مجلس فبراير 2012 قد أعلنت البدء في كتابة تقريرها لرفعه الى المجلس لإتخاذ قراره فيه ولكن سيف الإبطال كان أسبق !!
– كان من أبرز أفكار التوصيات المقترح رفعها للمجلس الشرعي :
– إلزام الحكومة باحالة الموضوع للنيابة بعد تحديد أسماء المتهمين وبيان تجاوزاتهم .
– إلزام الحكومة باسترجاع هذه الملايين من أموال الشعب العامة .
– إقالة كل المسؤولين المتورطين في هذا الفضايح .
– تعديل النظم المالية واللوائح التنظيمية التي سمحت بمثل هذه الكوارث على المال العام .
– تقديم رئيس ديوان المحاسبة تقرير سنوي مكتوب لمجلس الأمة عن كل المصروفات السرية في الدولة .
ختاما:
– الإدعاء بأن صرف هذه الملايين من أموال الشعب في شأن عام ولمصلحة الكويت كذبة يعجز حتى الشيطان عن تبريرها !!
– أعلم يقينا أنه ستهب عاصفة الإعلام الفاسد ونواب الشيكات وعبدة الدولار تشكيكا وتشويها وتحريضا بدلا من مناقشة الأفكار وتقييم المعلومات
– وأجزم بأن التاريخ سيثبت أن لجان التحقيق في فضايح إيداعات النواب القبيضة والتحويلات المليونية للرئيس المعزول ناصر المحمد كانت أبرز أسباب إبطال مجلس فبراير 2012
– وأؤكد بأن (المؤرخين الصادقين) هم من سيُزين صفحات تاريخ الكويت بتفاصيل ما ذكرناه بأدلتها القطعية الدلالة والثبوت .
– ولأن الأمر خطير وقد يتعلق بترتيبات المستقبل فلن يصححه ، بعد توفيق الله ، إلا ما صححه أول مرة .. إظهار رفضه شعبيا بالإسلوب المناسب .
– اللهم احفظ بلدنا الكويت وأهلها من كيد الفجار ومن شر الأشرار وسائر بلاد المسلمين .. وأخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمي.