كتاب سبر

عبد الله الصالح.. هل أغضب الجمهور أم تظاهروا الغضب عليه؟

تابع أغلبنا الضجة التي أثيرت مؤخراً حول فيديو “صلاة الجمعة” والذي ظهر فيه عبدالله الصالح الشهير بـ “تحياتي وأشواقي”. وسأحاول في هذا المقال تحليل ما حدث من وجهة نظر إعلامية خالصة.
ظهر الصالح مؤخراً في سلسلة مقاطع فيديو يتحدث فيها عن فكرة جديدة لصلاة الجمعة يكون فيها هو الخطيب، وطرح مجموعة من الأفكار بشكل أقرب للفكاهة. سأحاول أولاً أن أحلل إذا ما كان عبدالله وقع في محاذير شرعية في الأفكار التي طرحها للجمهور:

الفكرة الأولى:

أن يرتدي الخطيب بدلة بدلاً من اللباس المعتاد في الخليج العربي بارتداء الخطيب الدشداشة والبشت. وقد تتبعت أقوال العلماء في هذا الباب، ووجدت أن الإسلام لا يحدد لبساً خاصاً بخطيب الجمعة. وهنا يظهر أن الفكرة الأولى التي طرحها لا تخالف الشريعة، وأعتقد أنها بعيدة عن إثارة حنق الناس.

الفكرة الثانية:

جلوس الحضور على كراسي أثناء الخطبة، وحجز الكراسي مسبقاً، كذلك تتبعت أقوال أهل العلم في هذا الرأي ووجدت أن ذلك من المباح دون تقييد، على ألا يكون الجلوس على الكرسي في الصلاة إلا لغير القادر على الوقوف. أما قضية حجز مكان في المسجد فأقوال أهل العلم فيها مختلفة، فمنهم من أباح ومنهم من كره ومنهم من حرم على اختلاف المذاهب الأربعة. وهنا تنطبق عليه القاعدة الأصولية، لا إنكار في مسائل الاجتهاد. فبناءً عليه استبعد هذا أن تكون هاتين الفكرتين سبب للإثارة.

الفكرة الثالثة:

استخدام وسائل الشرح “بوربوينت”:

اقترح الصالح استخدام البوربوينت كوسيلة للشرح والإيضاح في صلاة الجمعة، وهذه القضية طرحت منذ زمن على مستوى حكومات خليجية لاستخدامها في الخطب. الآراء فيها متباينة ولا يوجد دليل شرعي “حسب ما بحثت” على حرمتها. وللخلاف فيها، تنطبق عليها القاعدة الأصولية لا إنكار فيم اختلف فيه”.

الفكرة الرابعة:

تنظيم فعاليات لما بعد الانتهاء من صلاة الجمعة، كالأسواق والترفيه وغيرها لتشجيع الناس على الحضور للصلاة. والمعلوم أن هذا النموذج مطبق في كثير من الدول الأوروبية وأمريكا. فيستثمر المسلمون التجمع الأسبوعي للصلاة لجعله فعالية ترفيهية للعوائل.

ننتقل في هذا الجزء لتحليل جزء آخر،  قد يكون هو سبب اندفاع الجمهور للهجوم عليه، وهي شخصية عبدالله الصالح.

كيف عرف الجمهور عبدالله الصالح؟

من خلال معايشتنا لمن حولنا، كل منا يصنع له أطراً خاصة فيه، يراها الناس من خلاله، ولكل إطار من الأطر خصائص مرتبطة فيه لا تنفك.

على سبيل المثال، التدين إطار، وترتبط في هذا الإطار عدة عناصر منها: اللحية، الثوب القصير، أسلوب خاص في الحديث، وغيرها بغض النظر عن صحتها أو صلاحيتها.

الإطار الأكاديمي

يعرف عبدالله الصالح نفسه كطالب دكتوراه “لندني” في الاقتصاد في احدى جامعات بريطانيا، وهذا الإطار له تبعات والتزامات على تصرفه وسلوكه.

الإطار الديني

الهيئة الخارجية للصالح كونه رجلاً ملتحياً، وعرف في أيام دراسته الجامعية بتمثيل قائمة تنتمي للتيار الإسلامي السلفي، وهذا هو الإطار الثاني الذي عرفه الجمهور فيه. وله التزاماته كذلك.

الإطار الفكري:

يطرح الصالح في الفترة الأخيرة نوعين من الرسائل، الأولى توعوية دينية، وفي غالبها موجهة للأجانب باللغة الإنجليزية، وساهمت في إضافة الإطار الدعوي لعبدالله.

الإطار الاجتماعي:

في هذا الإطار نشط عبدالله في طرح ونقد بعض المفاهيم والعادات الاجتماعية التي يعتقد أنها بحاجة لنقاش بأسلوب ساخر أحياناً وأحياناً بشكل خارج عن المألوف. وهذا أضاف إطاراً آخر قد لا يتقبله الجمهور مع الأطر الثلاث السابقة.

عبدالله الصالح والجمهور

أعتقد، أن المشكلة الرئيسية التي حصلت في تفاعل الجمهور مع رسائل الصالح، أن الصالح قدم رسالة لم يعتد الجمهور على تلقيها من شخصية تم تأطريها بإطار الدين، والرجل الأكاديمي، والشيخ الداعية.

الأمر الآخر، الأسلوب ولغة الجسد التي يوظفهما الصالح قد لا تنسجم في ذهن الجمهور مع الإطارات التي ذكرناها مسبقاً. فحركة اليد، والعين، والشفاه تحملان مدلولات مختلفة عما يريد الصالح إيصاله. الأمر الأخير، يستخدم الصالح في رسائله تقنية عالية من تصوير وإضاءة ومونتاج وملابس خاصة. وقد يفهم الجمهور هذه الاستعدادات على أنها مبالغة لا تحتملها فقرات في وسائل التواصل الاجتماعي. وتضع حاجزاً كانت وسائل التواصل الاجتماعي قد كسرته وهو الرسمية في مخاطبة الجمهور.

وفقاً للتفسير الإعلامي لما حدث، فإن الجمهور قد تم تثقيفه على خصائص معينة يجب أن يرتبط فيها الدين والعلم. وأي خروج أو محاولة عن كسر هذا الإطار يعتبر “عند الجمهور” تعدٍ على مفاهيمه التي يؤمن بها بشكل أشد من الدين أحياناً. فآراؤنا الدينية عرضة للتغير إذا ما واجهتها آراء دينية أخرى، أما آراؤنا الاجتماعية وتصوراتنا السلوكية ليست مبنية في الغالب على منطق أو نص لكي يتم مواجهتها بحجة أو نص مقابلين.

فمنذ بداية طرح الصالح لرسائله، كان يقوم بعملية “تعبئة” للجمهور، والذي يعتقد أنه يمارس دوراً ليس له ويستخدم إطاراً لا يراه فيه. وجاء فيديو صلاة الجمعة إضافة لمقطع آخر، اعتبرهما الجمهور مستمسكاً جيداً لمحاسبة الصالح على جميع ما خالفه فيه وكسره للأطر التي حددها المجتمع كل شخصية، فاستغل يافطة الدين وهي أسهل طريقة يتم فيها جذب الجماهير حول قضية ما.

ختاماً، أرى أن أي شخصية عامة بحاجة لتحديد 3 نقاط رئيسية قبل أن تتعامل مع الجمهور، من أنا، وماذا عندي، وكيف سأقدم نفسي للجمهور. إذا لم تكن الإجابات الثلاث متناسقة فإن احتمالية حدوث تصادم مع الجمهور أو خسارة رصيد شخصي عالية جداً. وهناك فرق بين أن تكون معروفاً، وأن تكون محل محترماً عند الناس. فانظر أيهما تفضل، فكم من الناس حصل على الأولى وخسر الثانية، ومنهم من حصل على الثانية دون الأولى.
وكل رجائي أن يتعامل المشاهير مع الجماهير بذكاء، وأن يتعامل الجماهير مع المشاهير بأخلاق.
وعن الرسول صلى الله عليه وسلم
“ما أْنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم، إِلا كان لبعضهم فتنة “

المراجع:
لباس خطيب الجمعة
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=51780
الجلوس على كرسي
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=56795
حجز مكان في المسجد
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=96918