أقلامهم

حسن العيسى: تقرير البنك الدولي الأخير يكرر كلاماً قديماً سمعناه مئات المرات.

«حدهم الرزه»  
كتب المقال: حسن العيسى 
أين الجديد في تقرير البنك الدولي عن الكويت؟ وما جدوى دعوة وزارة المالية أو غيرها من مؤسسات “الخُمال” في الدولة للبنك الدولي كي يقدم دراسة عن مشاريع الدولة، طالما تلك الوزارات ومعظم المجتهدين والباحثين يدركون أن واقع إدارة الدولة يقول من البداية للنهاية إن “هذا سيفوه وهذي خلاجينه”، وإن الغرض من جل تلك الدراسات الدولية هو ذر الرماد في العيون وتبرئة ذمة وزارات وإدارات “الخُمال” الرخوة من كونها لا تصنع شيئاً لتطوير عملها، وتحاول بجد أن تستأصل مكامن العجز في أجهزتها الإدارية.
تقرير البنك الدولي الأخير يكرر كلاماً قديماً سمعناه مئات المرات من “أن دورة تنفيذ المشاريع الرأسمالية معقدة على نحو مبالغ فيه، وتفتقر إلى التماسك المؤسسي، مبيناً أن تلك الدورة مليئة بالعمليات المكررة لدرجة أن أصغر المشاكل تحتاج لتدخل الإدارة العليا لحلها، ما يجعلها بطيئة وغير فعالة”، كما أن “المؤسسات تعمل عمودياً لا أفقياً في ما بينها، ما يؤثر سلباً على كفاءة الإدارة…” (جريدة الجريدة الأربعاء).
ويؤكد البنك في هذه الدراسة أو ربما في دراسات سابقة، فلست متأكداً مع تضاعف كم الدراسات التشخيصية لمؤسسات العجز (ضروري تبروزها الحكومة أو تبلها وتشرب مايتها) أن الكويت تحتل المرتبة الـ54 من بين 72 دولة في مؤشر إدارة الاستثمارات الحكومية، بكلام آخر وبالكويتي يعني أن الكويت شبه “تلش” في إدارة مـؤسساتها المريضة، ويقرر البنك أن الجدول الزمني للبدء في تنفيذ مشروع يستغرق نحو 530 يوماً من تاريخ الإعلان عن المشروع إلى تاريخ الإخطار بتسليم المشروع للمقاول…”!
ما معنى عبارات مثل “أصغر المشاكل تحتاج تدخل الإدارة العليا”، وأن المؤسسات “تعمل عمودياً لا أفقياً في ما بينها…” غير التأكيد على إمعان المركزية السقيمة في إدارات الدولة، وأن تلك الإدارات تعاني من ناحية، من فقدان الثقة في علاقاتها مع العاملين بها من أعلى السلم الإداري حتى أسفله أو في شبكة علاقات مؤسسة حكومية بغيرها، ومن ناحية أخرى، يمتد فقدان الثقة إلى العلاقة بين المؤسسة والمواطن أو صاحب المشروع أو المراجع (حسب الظروف)، فيطلب من المراجع أوراق ومستندات وشهادات تتضخم وتثقل كاهل المراجعين في الهرولة بين دهاليز المؤسسة الإدارية حتى تكون أوراقه كاملة في مفهوم موظفي المؤسسة، والذين بدورهم، لا يملكون سلطة اتخاذ القرار، فلابد من مراجعة وختم الأعلى، وحتى هذا الأخير، سواء كان رئيس قسم أو وكيلاً مساعداً أو وكيلاً في معظم الأحيان، لابد أن يحظى بموافقة الوزير المختص… إلا أنه حتى هذا الأخير، بدوره، سلطاته محدودة في قضايا معروفة سلفاً، ولا يمثل حقيقة قمة السلم الإداري، فلابد من مباركة أو موافقة مجلس الوزراء، وفي جوف الأخير، تكون المرجعية لحسم القرار بيد “حكومة الحكومة” أي الوزراء الديلوكس (شيوخ الديرة)، وهذا ليس مطلقاً في كثير من الأحيان.
هنا نعرف أن القرار المطلوب الذي يفترض أن يخضع لاعتبارات المصلحة العامة، بداية، ونهاية، نراه يخضع في أمور كثيرة لاعتبارات سياسية ومصالحها، وهي فاسدة، وممعنة في فسادها، ولا يمكن إصلاح أمرها من غير تضحيات مؤلمة تبدأ من الأعلى وتنزل للأسفل، ولا أعتقد أن “الجماعة” عندهم التصور المنهجي أو الإرادة الحازمة للقيام بإصلاح جدي لإدارات الدولة… فمسائل اختصار الدورة المستندية، والحسم فيها، وإنهاء العطالة والبطالة وكل صور الفساد من رشا ومحسوبيات وشلليات وغياب كفاءات، والعمل، في اتجاه مقابل، لإحلال مبدأ الجدارة أي الكفاءة محل فلسفة “هذا ولدنا”… يتطلب تضحية من رصيد سياسي وشعبوي مترسخ في الدولة القبلية، ولا يظهر أن “الجماعة” لديهم مثل هذا الاستعداد… حتى مع واقع تدهور دخل الدولة من النفط وظهور أشباح مرعبة لمستقبل مجهول، المهم عندهم “الرزه” وكاميرا صحافية تسوق شعبويتهم وكأنهم يقولون همساً “خل القرعة ترعى”…!
رجاء، متى عرفتم أين الخلل المصيبة، نسألكم أن توفروا عليكم وعلينا حبر دراسات البنك الدولي وغيره من مؤسسات، فلننفض أيدينا… فالضرب في الميت حرام.