أقلامهم

بدر الديحاني: واهمٌ من يظن أن إرهاب الفاشية الدينية يستثني أحداً.

عن مكافحة إرهاب الفاشية الدينية 
كتب المقال: د. بدر الديحاني (dai7aani@gmail.com) 
واهمٌ من يظن أن إرهاب الفاشية الدينية يستثني أحداً، كُلّنا مُستهدفون، فإن كان اليوم موجهاً ضد دولة أو طرف أو طائفة بعينها فإنه سيلتفت غدا إلى الأطراف الأخرى داخل الدولة أو الطائفة ذاتها، فالفاشية الدينية لا تعترف نهائيا بوجود اختلاف في الرؤى والأفكار بين البشر، وتعتمد مبدأ إقصاء الخصوم وتصفيتهم، كما أن الهدف النهائي بالنسبة إلى اليمين الديني الفاشي هو الهدف ذاته الذي يدّعي “داعش” أنه ينفذه الآن، وهو إقامة ما يسمونه “دولة الخلافة” التي يفصلونها حسب رؤيتهم الخاصة وتفسيرهم وحدهم للدين، ولكن الاختلاف بين أشكاله المختلفة هو اختلاف ثانوي حول الآليات والوسائل، أي أنه، كما ذكرنا سابقا، اختلاف في الدرجة لا في النوع.
 بعض أطراف اليمين الديني الفاشي تطرح مسألة التدرج في التنفيذ، والتي تفرضها ظروف الزمان والمكان، وهو ما يتطلب استخدام التمويه، و”التقية” السياسية و”الميكافيلية” من أجل الوصول في نهاية المطاف إلى ما يمارسه “داعش” حاليا الذي يتبنى عملية “حرق المراحل” من أجل إقامة ما يسمونه “دولة الخلافة”!
وبما أن منطقتنا تشهد صراعا دوليا باعتبارها منطقة مصالح حيوية للدول الرأسمالية الكبرى، فقد تم استخدام اليمين الديني الفاشي منذ سبعينيات القرن المنقضي كأداة من أدوات تنفيذ “الأجندات” الأجنبية، سواء بمعرفته أو من دونها، لذلك فإن “داعش” الآن ينفذ سياسة “الفوضى الخلاقة” الرامية إلى تفتيت دول المنطقة وتقسيمها إلى دويلات طائفية، وعرقية، وإثنية متحاربة.
ولم يعد خافيا لأي متابع موضوعي أن قوى الإرهاب الديني الفاشي ترتكب جرائمها، وتُركز عملياتها في الدول المؤثرة في المنطقة مثل مصر والسعودية من أجل إشاعة الفوضى الداخلية، وإشغال الناس في خلافات هامشية وعبثية على أمل الوصول إلى الاحتراب الداخلي، وذلك لأن القوى الرجعية، ومن ورائها قوى الاستعمار الحديث ودوائره، تعرف تمام المعرفة أن عدم استقرار هاتين الدولتين تحديدا يعني انفراط عقد الدولة الوطنية في المنطقة، وبداية التقسيم الفعلي لدولها، أي أن المسألة هي مسألة وجود بالنسبة إلى دول المنطقة وشعوبها.
في السعودية، على سبيل المثال، تُركّز قوى الإرهاب والفاشية الدينية منذ شهر نوفمبر العام الماضي على المنطقة الشرقية، حيث تنفذ جرائمها الوحشية هناك من أجل إثارة الصراعات الطائفية والكُره الاجتماعي، وترسيخ الفرز الطائفي البغيض، علاوة على ترويج خطاب الكراهية الطائفي الذي يسوّقه دعاة الكراهية والبغض الاجتماعي من كلا الطائفتين السنيّة والشيعية، وهو الأمر الذي لا ينبغي التسامح معه، فخطاب الكراهية محظور عالميا ولا دخل له البتة بحرية الرأي والتعبير المكفولة دوليا.
إدانة الجرائم الوحشية التي ارتكبتها قوى الإرهاب والفاشية الدينية في السعودية، وعدم التسامح مع خطاب الكراهية الطائفي مسألتان في منتهى الأهمية، لكنهما بحد ذاتهما غير كافيتين لتخفيف حدة الفرز الطائفي البغيض ما لم تعالج أسبابه الرئيسة الموجودة، أي الظروف السياسية-الاقتصادية على أرض الواقع المادي الملموس، ومن ضمنها التمييز والتهميش على أسس طائفية.
 لقد سبق أن ذكرنا غير مرة أن شعوب المنطقة هي التي تحمي الدول والأنظمة السياسية من أي تهديد خارجي، وهذا يستلزم مشاركتها الفعلية في إدارة شؤونها العامة؛ لهذا فإن أنظمة دول مجلس التعاون مطالبة بتقديم مبادرات أو مشاريع سياسية لدول عصرية تتضمن حزمة إصلاحات سياسية وديمقراطية واقتصادية تُرسّخ مفهوم المواطنة المتساوية في دول مدنيّة ديمقراطية باعتبارها أساس التعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية المختلفة، علاوة على إطلاق الحريات العامة وتنفيذ سياسات عامة تحقق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وتقضي على البطالة والفقر، وتعالج الظروف المعيشية القاسية التي تعانيها فئات واسعة من المواطنين.
 لنتذكر دائما أن من المهم والضروري إطفاء الحريق، ولكن الأهم والأكثر ضرورة هو معالجة أسبابه الرئيسة حتى لا يندلع مرة أخرى بشكل أكثر مأساوية فيقضي على الأخضر واليابس.