أقلامهم

حسين العبدالله: دفع الحكومة لقانون استقلال السلطة القضائية إداريا وماليا ليس سعيا حقيقيا.

مرافعة: القضاء بين الاستقلال والمزايا! 
كتب المقال: حسين العبدالله 
بينما تعكف الحكومة على إنجاز قانون استقلال السلطة القضائية، الذي يفترض أن يحقق لأعضائها الاستقلال الإداري والمالي، وتنوي رفعه إلى المجلس لإقراره في دور الانعقاد الحالي، فإن المشروع يتضمن العديد من المسائل المهمة المتعلقة بالاستقلال الإداري والمالي والتفتيش.
دفع الحكومة لقانون استقلال السلطة القضائية إداريا وماليا ليس سعيا حقيقيا لإصدار هذا القانون، بل كرها عليها من خطورة تنفيذ الأحكام القضائية التي تحصل عليها القضاة والمستشارون ووكلاء النيابة، والتي انتهت بإلزامها بإقرار المزايا القضائية التي قررها المجلس الأعلى للقضاء للقضاة، علاوة على أن الأحكام التي تحصل عليها القضاة هي التي وضعت الحكومة في خانة ضيقة لحسم هذا الملف الذي لم تعد تنفع معه المراوغة السياسية أو التسويق لمبررات غير صحيحة!
ويأتي في مقدمة المكاسب التي حققها القضاة والمستشارون من أجل نيل مطالبهم إدخال الشرعية الحقيقية لقرارات المجلس الأعلى للقضاء، واعتبار القرارات الصادرة منه صادرة من سلطة نص عليها الدستور وكفل لها الحق في إصدار القرارات التنظيمية التي بإمكان المحاكم أن تدخلها حيز التنفيذ، وثاني هذه المكاسب أن الحكومة هي التي تستعجل إصدار قانون يشمل ما قررته الأحكام القضائية ليدخلها حيز التنفيذ في صورة قانون، بل ويذلل العقبات ويفتح قنوات الاتصال من أجل إيجاد حلول تسابق الزمن من أجل إصدار هذا التشريع، وأخيرا فإن الحكومة قررت أخيرا التخلي عن السطوة الإدارية والمالية التي كانت تفرضها على السلطة القضائية، ورأت أن الاستقلال القضائي أمر بات مهما لأن السطوة الإدارية والمالية باتت مكلفة ومرهقة عليها، وبات الحل هو أن يخصص للقضاء ميزانية مستقلة ومحددة لا يمكنه معها في المستقبل أن يتحرك إلا في حدودها.
لكن ورغم تلك المكاسب فإن هناك أمورا يجب الالتفات إليها والتنبه لها وعدم إهمالها نظرا لأهميتها، وهي أن يكفل القانون المزمع صدوره استقلالا إداريا وماليا حقيقيا لا شكليا، فلا قيمة لاستقلال مرده في نهاية الأمر إلى موافقات مجلس الوزراء لا موافقة السلطة القضائية نفسها، فتضيع مطالب القضاء في المستقبل، وتخضع لموافقات ورغبات الحكومة لا القضاء، ولا قيمة لاستقلال إداري ومالي لم يكن إلا شكليا، تكون فيه الموافقة على التعيينات للمناصب القضائية بناء على موافقة مجلس الوزراء، ولا قيمة لقانون لا يتضمن إصلاحا وتطورا داخليا لأداء السلطة القضائية، ويشدد على دور جهاز التفتيش القضائي ويوسع صلاحياته، ويخضع الأحكام التي يصدرها القضاة والمستشارون مهما علت درجاتهم لرقابة التفتيش القضائي، وألا يقتصر التفتيش على أحكام المستشارين حتى درجة وكيل محكمة كلية، ضمانا للتأكد من جودة الأحكام ومن استمرار تمتع القاضي بإمكانات البحث والتسبيب.
ليس ذلك الأمر فحسب بل يتعين أن يكون في ذهن القائمين على القانون من حكومة ومجلس أمة، وهما يناقشان قانون استقلال القضاء، النظر إلى تجارب الدول الأخرى التي تحقق استقلالا في المناصب، وبالتالي يتعين أن يكون تشكيل المجلس الأعلى للقضاء من رؤساء المحاكم الكلية والاستئناف والتمييز والنائب العام وقضاة يتم اختيارهم بآلية واضحة، وأن يتم إخراج وكيل وزارة العدل من مجلس القضاء، وفي ذات الوقت يتعين ألا يتم الجمع في عضوية المجلس الأعلى للقضاء مع عضوية المحكمة الدستورية، ضمانا لتفرغهم في العمل وعدم إرهاقهم في العديد من المسؤوليات، خصوصا بعدما أسند للمحكمة الدستورية مؤخرا النظر في الطعون الدستورية المباشرة للأفراد، علاوة على الطعون غير المباشرة، والعضوية بلجان فحص الطعون ونظر الطعون الانتخابية، وكذلك طلبات التفسير التي تعرض أمام المحكمة.