بورتريه

شمّّا المزروعي.. بداية الصراع بين “الواقعية”و”الطموح المتوثّب”..!

وَطَنٌ يَرُفُّ هَوىً إِلى شُبّانِهِ    كَالرَوضِ رِفَّتُهُ عَلى رَيحانِهِ
هُم نَظمُ حِليَتِهِ وَجَوهَرُ عِقدِهِ   وَالعِقدُ قيمَتُهُ يَتيمُ جُمانِهِ
يَرجو الرَبيعَ بِهِم وَيَأمَلُ دَولَةً  مِن حُسنِهِ وَمِنِ اِعتِدالِ زَمانِهِ
مَن غابَ مِنهُم لَم يَغِب عَن سَمعِهِ  وَضَميرِهِ وَفُؤادِهِ وَلِسانِهِ
لطالما وجد الشاعر أحمد شوقي في الشباب الأمل المرتجى، وكثير ما كان يجعل أمل البلاد معلقا عليهم ومنوطا بهم في كثير من قصائده، لكن ربما لم يصل أمله وتفاؤله – وهو يعيش في بلادنا “العربية” – إلى أن يأتي يوم تتولى فيه شابة لم تتجاوز الـ22 من العمر مهام وزارة وتصبح أصغر وزيرة في العالم.
“الشّابة” شمّا المزروعي.. وزيرة لـ”شؤون الشباب” في دولة الإمارات.. قد يرى البعض أن في الأمر “غرابة” أو “استعراضاً” أو محاولة لرسم صورة ذهنية عن “دبي” وحاكمها بأنهم “استثنائيون” ومختلفون عن الآخرين ومتميزون عنهم ولذلك تم تعيين وزيرة بهذا السن الصغير خلاف ما اعتدنا عليه في بلادنا العربية عند اختيار من يشغلون مناصب الوزراء.
“دولتنا شابة قامت على الشباب. ووصلت للمراكز الأولى عالمياً بسببهم. وهم سر قوتها وسرعتها. وهم الكنز الذي ندخره للأيام القادمة”.. يقول حاكم دبي حين طلب من الجامعات ترشيح عدد من الشباب لشغل منصب وزير الشباب قبل أن يختار “شمّا”. وبالمناسبة معنى اسم “شما” في قاموس المعاني “ : المتكبّرة الشامخة الكريمة. لكن في قاموس محمد بن راشد الذي يتحدث عنه دوما : مسموح أن تكون أو يكون الوزير شامخا كريما لكن ليس مسموحا أبدا” أن يكون “متكبّرا”.
ليست المفاجئة فقط في اختيار ذات الـ22 عاما وزيرة لكن المفاجئة أيضا في سيرتها الذاتية التي ترافقها لهذا المنصب.. فقد حصلت شما المزروعي على شهادة الماجستير في السياسات العامة مع مرتبة الشرف من جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، وكانت أول طالبة من دولة الإمارات تفوز بمنحة رودز للقيادات الشابة في العمل الحكومي.
وحصلت المزروعي أيضا على دبلوم متقدم في الشراكات متعددة القطاعات من جامعة نيويورك، كما نالت شهادة البكالوريوس في الاقتصاد مع مرتبة الشرف العليا من جامعة نيويورك.
وعملت شما المزروعي أيضا في أحد صناديق الثروة السيادية في أبوظبي، وكانت قبل ذلك محللا للسياسات العامة ضمن بعثة الإمارات للأمم المتحدة في نيويورك، وعملت كذلك كمحلل سياسات وزارية، وشاركت في مجموعة بحث مختبر الابتكار للشباب في مكتب رئاسة مجلس الوزراء.
وحازت شما على جائزة الشيخ منصور بن زايد آل نهيان للتميز، وكانت عضوا مشاركا في كلية الإنجازات المرموقة بمؤتمر سان فرانسيسكو، كما أنها مسؤولة الاتصال والعلاقات الخارجية في منتدى دراسات أوكسفورد للخليج وشبه الجزيرة العربية بالمملكة المتحدة.
واللافت أيضا أنها بهذا العمر أطاحت بكل من وزير الخارجية النمساوي سباستيان كورتس الذي حاز على هذا اللقب عندما تولى منصبه وهو في عمر الـ27، وكذلك عايدة الحاج علي التي تولت وزارة التعليم بالسويد وهي في الـ26.
الأهم من ذلك أن تطيح الوزيرة بـ”الصورة الذهنية” عن الوزير الخليجي والعربي وأن تهزم “الواقع” الذي فرضته آلية الإدارة خليجيا وعربيا.. وأن “تُخيّب ظن وأمل” العقلية التي بدأت منذ الأمس تسخر وتترقّب فشل هذه التجربة غير المسبوقة في منطقتنا.. إنها بداية الصراع بين “الواقعيّة” التي اعتدنا عليها وكانت سببا رئيسا في أزماتنا الثقافية والاقتصادية وبين “الطموح المتوثّب”.. فاللذين لا يؤمنون بالواقع المفروض أولئك الذين لا يحبّون “الرايات البيضاء”.. والمسؤول الذي ينشد القيادة نحو النجاح والتغيير للأفضل يفكر ويبتكر ويطور بمساعدة أصحاب الاختصاص ولا يستستلم لواقعية الزمان والمكان.