كتاب سبر

علي العمير والحياة الكريمة

كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا
وحسبُ المنايا أن يكنّ أمانيا 
المتنبي
قرأت قبل فترة ليست بالقصيرة تصريحًا للسيّد الوزير علي العمير يتضمّن شكره لرئيس الجهاز المركزي والعاملين معه على توفيرهم حياة كريمة للبدون ! ، والحقيقة أنني أحجمت عن الكتابة حينها ليقيني بأن الكتابة في قضية البدون لم تعد تجدي نفعاً في ظل انشغال الجميع بقضايا يرون أنها أهم من قضية تمسّ حياة أكثر من 120 ألف نفس ، ولقناعتي بأن امتطاء صهوة قلمي في صحراء قضية البدون القاحلة يجعلني كالمنبتّ الذي لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى ، ويجعلني كالمؤذن في مالطا فالكتابة في هذا المجال لا تردع ظالماً ولا تجذب قارئاً ولا تجلب شهرة .
وإني أجدها اليوم فرصة لأعترف بأنني لم أستطع الوفاء بعهدي الذي قطعته للأستاذ محمد الوشيحي الذي نصحني في اتصاله الأول والوحيد ألا أجعل قلمي سجيناً لقضية البدون وأنه يراهن على قلمي متى ما أخرجته من سجنه ، ولكنني مع الأسف الشديد خذلت قلمي وخذلته فعذراً منك أبا سلمان .
أعود للتصريح السيء الذكر الذي أدلى به السيد علي العمير حول الحياة الكريمة للبدون التي قام بتوفيرها رئيس الجهاز المركزي مشكوراً – على حدّ زعمه – وذلك بعد أن أحجمت عن الرد عليها سابقاً وأراني مجبراً على ذلك اليوم لا نصرة لقضية لايضرها سلخها بعد ذبحها ، بل إرضاء لنفس تساورني على فعل ذلك والكريم إذا استغضب غضب .
عن أي حياة كريمة تتحدث يا معالي الوزير وأنت ترى الآلاف يعانون من الفقر والعوز والحاجة وعدم المقدرة على سداد إيجارات مساكنهم التي تفوق رواتبهم في الغالب ؟! عن أي حياة كريمة تتحدث وأنت ترى بيوت بعضهم في تيماء والصليبية وقد ضاقت ذرعاً بهم وضاقوا ذرعاً بها ؟! عن أي حياة كريمة تتحدث وأنت ترى بعضهم عاجزاً عن دفع الرسوم الدراسية لأبنائهم والتي باتت تفوق ما يقوم بدفعه الصندوق الخيري؟! عن أي حياة كريمة تتحدث وهم ملاحقون من الجهاز المركزي الذي يقوم بمخاطبة إدارات عملهم لفصلهم ؟! عن أي حياة كريمة تتحدث وهم يعانون مرارة روتين طويل وممل لا يسري إلا عليهم عند استخراج أي ورقة رسمية أو تقديم أي معاملة ؟! عن أي حياة كريمة تتحدث وهم مقيدون بقيود أمنية وهمية بعضهم لم يكن مولوداً حين وضعت عليه أو على أبيه من قبل ؟! عن أي حياة كريمة تتحدث وهم محرومون من دخول الجامعات أو الوظائف الحكومية إلا باشتراطات تعجيزية ؟! عن أي حياة كريمة تتحدث بالله عليك ؟! .
معالي الوزير السلفي علي العمير ليس المخبر كالمعاين ؛ فهلا كلفت نفسك عناء زيارة البدون في مناطقهم لتسمع منهم قبل أن تقول الكلمة ولا تلقي لها بالاً ؟! ، فإنما يكب الناس على مناخرهم في جهنم حصائد ألسنتهم ، معالي الوزير …! أتدري ما هو أشنع من الظلم نفسه وأشد وقعاً على المظلوم ؟! إنه محاولة تسويغه وتبريره ولفه بشريطة حمراء وتقديمه للناس على أنه حياة كريمة ، وعندها يكون الظالم والمسوغ له في الجريمة والجريرة سواء ، وختاماً أسأل الله العلي القدير أن يذيقك بعضاً من حياة البدون الكريمة التي تزعم أنهم يتنعمون بها حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود في تصريحك .