كتاب سبر

مثلث سلطودا

إن سياسة السلطة المستمرة والتي تنطلق من مبدأ “فرق تسد” لسياسة قديمة كانت تستخدمها منذ الأزل وما زالت، تشتت بأدواتها المجتمع وتفرق ما بينهم من خلال ممارسات رجعية قمعية تجعل الفرد يتقوقع على ذاته والأقرباء منه، سواء كان ذلك التقوقع على الطائفة أو القبيلة أو حتى العائلة في بعض الأحيان، بيد أن هذه المشكلة لمرض خبيث يعاني منه مجتمعنا وينخر فيه حتى أدى الى تمزيقه وشق وحدة صفه، ومع طرح المشكلة لمن الواجب علينا طرح الأسباب التي أدت لخلقها بالإضافة الى بعض الحلول الممكنة لمعالجة هذه الأزمة.

السبب في ذلك من وجهة نظري المتواضعة هي السلطة بشراكة مع المجتمع ذاته فنحن أيضاً ملامين، وربما يستغرب البعض بربط كل المشاكل بالسلطة ولكن ما ذنبي ان كانت كل تلك الأزمات من اخراج وإنتاج وتوزيع هذه السلطة؟ كيف ذلك فببساطة من السبب في احتياج الفرد عائلته أو طائفته أو قبيلته لكي يحصل على ما يريد, علماً بأن معظم احتياجات الفرد هي أمور مستحقة واجب على الدولة توفيرها للمواطن كالعمل والعلاج والمعاملات الحكومية وغيرها من الأمور التي تعتبر مكتسبات شعبية، لكن في ظل عدم إعطاء كل ذي حقٍ حقه, وفي ظل رغبة الحكومة في تجريد النائب من دوره الرقابي والتشريعي كي يصبح “مندوب تخليص معاملات ” أصبح الفرد بحاجة لمن هو أقرب له ليأتي بحقه بدلاً أن يأخذ حقه وفق الأطر القانونية السليمة التي لا يريدون للفرد العمل بها, فالواقع وما يحدث يبين لنا كيف ترعى الحكومة الواسطة والمحسوبية، فالمندوب ينجز المعاملات من الجهات الحكومية برعاية حكومية بحته تنطلق من مبدأ المحاصصة علماَ بأن بعض التجاوزات يوافق عليها الوزير بتوقيعه وابتسامته لشراء الولاءات والابتعاد عن المسائلة السياسية أحياناً.

تاريخياً باتت هذه السلطة توزع مدافعها في اتجاهات مختلفة حسب الظروف والزمن, تصورنا داخل مثلث وتضع بعض الفئات في زاوية من الزوايا توجه عليها كل أسلحة البطش التي تملكها, تارةً تغلق الأندية وجمعيات النفع العام وأخرى تمولها وترعاها وتارةً تسحب الجنسية ممن تريد وأخرى تمنحها لمن تريد, واستخدمت أموالها وصلاحياتها متجاوزة القوانين في ذلك ساعية لشراء ولاءات موزعة للمناصب والصلاحيات, وفعلاً نجحت في ذلك أضعفت من تريد وقوت من تريد ولكن انقلب السحر على الساحر فمن كانوا يريدونهم موالين أصبحوا أغلبية معارضة فعادت لمدفعها واستخدمته مرة أخرى, فبطشت وقمعت واعتقلت وحرمت حتى سحبت الجناسي بحجج ظاهرها التزوير وباطنها التكميم والترهيب، وفي ظل توزيع السلطة مكونات المجتمع في زوايا المثلث الذي أسميناه “مثلث سلطودا” نسبة لمثلث برمودا الذي عرف بخطورته تفرقنا وتشتتنا وأصبحنا نحارب بعضنا البعض بدلاً من التكاتف لمصلحة الوطن, فزاد التناحر والتنافر حتى أصبحنا لا نتقبل إلا من يوافقنا المذهب والقبيلة وتكرس هذا الأمر بشكل أكبر في ظل الصوت الواحد الذي جعل ابن العائلة لا يختار الا ابن عمه وابن الطائفة يزكي ابن طائفته وابن القبيلة يتشاور ليرشح ابن قبيلته, والذي يشعرني بالتقيؤ هو بناء المواقف على موقعها الجغرافي ومذهب المعني فيها وذلك يبين أن من يتخذ موقف كهذا وبناءً على تلك المعطيات انسان .. عفواً نعتذر للإنسان ونترك التشبيه لكم.

كل ما سبق لا يصب أبداً في مصلحة شعبنا ولا في مصلحة الوطن, بل انه يصب في مصلحة من يريد تفريقنا, فتفرقنا وتفرقنا وكلٌ جلس في الزاوية المحددة له من قِبلهم حتى سُهل ضربنا ونحن مشتتين, فسادت السلطة أكثر وأكثر لتفعل ما تريد متى تريد دون أن يوقفها أحد, هذا الوضع مقرف ولن نغفل عن اننا شركاء فيه فقد ساهمنا باستمراره من خلال اصرارنا على البقاء داخل “مثلث سلطودا” قابلين بما يحصل بنا وحولنا, فبقاء وطننا واستمراره مرتبط بخروجنا من ذاك المثلث المقيت الذي وضعونا به وضربونا كلٌ على حدى في زاويةٌ ما مع اختلاف الزمن, فعلينا المقاومة حتى يصبح هذا المثلث خط مستقيم خالي الزوايا ونصبح متكاتفين في صف واحد تجاه أي تعدي علينا, بعيدين عن القبلية الطائفية والعنصرية منطلقين من دستور دولة الكويت متمسكين بوطننا العزيز.