أقلامهم

“مكافحة الفساد”.. واقع أم مجرد عنوان؟!

لم يتعسر تنفيذ قانون في العالم لمكافحة الفساد وكشف الذمة المالية للقياديين كما حدث للقانون الكويتي وهيئة مكافحة الفساد التي نتجت عنه، منذ أكثر من أربع سنوات وهو يراوح بين الإجراءات التنفيذية والقضائية، واستجدت عليه الآن نزاعات إدارية بين قيادييه، عندما تمت إحالة الأمين العام لهيئة مكافحة الفساد إلى التقاعد، بإجراءٍ وصفَه بعض القانونيين بأنه غامض وغير مسبب بشكل واضح، في حين تم تداول أنباء عن خلافات بين الوزير المعني بالإشراف على الهيئة، وهو وزير العدل د. فالح العزب والقائمين على الهيئة.

كاتب هذه السطور توقع منذ نشأة قانون مكافحة الفساد أن تضيع هذه الهيئة في متاهات الشد والجذب القانوني والتسويف الحكومي والتعطيل الإجرائي، وهذا ما حدث بالفعل، فالقضاء الدستوري رأى رغم واقع البلد والحديث عن الفساد والرشاوى التي أدت لأحداث مجالس الأمة 2009 – 2012، أنه لا حاجة ماسة لإصدار قانون مكافحة الفساد وكشف الذمة المالية بمرسوم ضرورة، والحكومة من قبله ظلت فترة طويلة لتنجز “إلياذة” اللائحة التنفيذية لقانون كشف الذمة المالية ومكافحة الفساد!

ثم جاءت الطامة الأكبر، وهي إلحاق هيئة مكافحة الفساد بوزير في الحكومة من المفروض أنه تحت رقابتها! بينما المفروض أن تكون هيئة مستقلة تماماً، يتم، سنوياً، تعيين لجنة رباعية أو سداسية من مستشاري المحكمة الدستورية لمراجعة أدائها الإداري والمالي، وتصدر تقريراً بهذا الشأن واجب التنفيذ، توصياته ترفع إلى رئيس الدولة، على أن يتغيير أعضاء هذه اللجنة سنوياً، ويتم تعيين أعضاء الهيئة عن طريق ترشيح مباشر من السلطة القضائية، وهو التعديل الذي نتمنى أن يتبناه نواب الأمة.

ما يحدث الآن بالنسبة لهذه الهيئة الهامة لتحقيق الإصلاح الحقيقي على جميع المستويات السياسية والاقتصادية هو ضعضعتها، وولادة جهاز مشوه بخلافاته التي تؤثر على آلية عمله وشفافيته، فها نحن لا نعلم شيئاً عن أعضاء مجلس الأمة والحكومة السابقين؛ هل قدموا إقراراتهم المالية؟ وكذلك الجدد منهم، وهل تلك الإقرارات سليمة؟

كل هذه الأسئلة يجب أن ترد عليها الهيئة لتكرس الشفافية المطلوبة، وعلى النواب الجدد الذين تعهدوا بالإصلاح ومحاربة الفساد أن يتابعوا تلك الأمور، ويتحروا معوقات عمل هيئة مكافحة الفساد وتقويمها عبر تعديل القانون وتطويره، ومن دون ذلك فإن الثقة الشعبية في مصداقية محاربة الفساد والتكسب من المناصب ستُفقد، وسيكون لذلك عواقب بالغة السوء على أي جهد لتحقيق إصلاح اقتصادي جاد في البلد.