أقلامهم سبر القوافي

فجر نعس بالوريد ونام بهدومه!

كل كلمات هذه المقالة جاءت بعد شطب كثير و دمع غزير، نصفي الأجمل صار تحت التراب، و لا أعرف حتى ما الذي أريد قوله، أعرف فقط أنني حتى لو عرفت فإنني لن أقدر!.

العين دامعة و القلب حزين و لا أقول بإذن الله إلا ما يرضي الله، رحمك الله يا مساعد ربيّع الرشيدي، يا صاحبي و أخي و شاعري الفخم الكبير، ستظل في روحي و جسدي ما حييت “فجرٍ نعس بالوريد و نام بهدومه”، و سأوقظك كل صباحٍ لأعرف الشعر، و سأوقظك كل شعرٍ لأعرف الصباح!.

أدري أن هذه الكتابة لن تروق لك، أولاً لأنك تحب الشعر، و أولاً لأنك تحب الفرح، ليس عندك في ذلك ثانياً، أوّلاً و أوّلاً، تُكدّس البهيج و الجميل بعنفوانٍ لا يقبل الترتيب و الصفوف!.

الآن أقول للناس، أن قصيدتين لي لم تكن أي منهما غزليّةً، إلا بأمرك، و أن أول بيتين من كل منهما كتبتهما فيك و عنك و لك، الأولى:

” دخيلك لا تصلّح غلطتك هذا الخطا غالي…

رفضت انك تجيبه من عرفتك لين هو جابك!

و مدام ان الزّعل مثل الرّضا يبقيك في بالي…

أنا ما ازعل و لا ارضى منْك انا ازعل عنْك و ارضابك!”

هكذا كنت “أزعل” منك، أبحث عن أي هفوةٍ ليتجدد الحب، و تضحك يا أكثر الناس بشاشةً و تقول: “لو درينا زدنا”!، و تمسك الورقة و تقسم أن أتم القصيدة غزليّة، تضحك و تُضحك الدنيا معك: ” إن كتبنا شي حلو في بعضنا حرام على أشكالنا.. و حلال على المترفات الغنادير”!.

القصيدة الثانية كلها كانت في مساعد، سافر إلى الجنوب ليلتين دون أن يخبرنا، ثالثنا غازي العكشان عرف في اللحظة الأخيرة، غازي جزء منا و نحن جزء منه، و كان أكثرنا صمتاً و محبّةً، قال غازي: “صاحبك طار”، فكتبت:

“نصف وجهي هجير و نص ظل..

و انت غالي و طبع الحب كافر!

بعض مني يخاف انك تظل..

و بعض مني يخاف انك تسافر”!.

و الآن أنبّه الناس إلى أهم كلمةٍ قالها مساعد الرشيدي، في حواراته، مرّت في حواره الأخير مع علي العلياني في برنامج “يا هلا رمضان”، لم ينتبه لها الكثير من الناس فيما أظن، لكنها كانت أصدق و أدق تعاريف مساعد لنفسه: “أنا شاعر حتى أكثر من كوني إنساناً”، نعم، و أشهد بالله، أنك كنت إنساناً رائعاً، من أطيب الناس قلباً، و من أنقاهم سريرةً، و أكثر من عرفت بشاشةً، و لكنك كنت شاعراً بكل ما لهذه الكلمة من معنى و إحساس و عاطفة و قدرة على الهيمنة.

يشهد الله أن أحب حبيبات مساعد الرشيدي إلى قلبه كانت المملكة العربية السعودية، كان في ضيقه و سِعته يتحدث عن السعوديّة بحب لو رمى شاله على الدنيا لغطّى وجه الأرض، كان محبّاً للتراب و الناس بكبرياء و طموح و آمال لا تضعف و لا تنكسر، كل كتاباته العظيمة في الوطن لم تنقل ربع ما في قلبه من محبة و ولاء.

لم أر في حياتي مثل صالح العزاز في حب الطبيعة، و لا مثل مساعد الرشيدي في حب السعودية، رحمهما الله.

و لم أر مساعد الرشيدي يوماً، منكسراً أو واهن العزم، في عز مرضه كان يضحك، و يسألني عن الشعر و الأولاد و الأصدقاء، و يقرأ ما في داخلي فيصحح لي: “صاحبك جبل و الله كريم لا يهمك”.

وداعاً يا أطيب أيام عمري، وداعاً يا مساعد، وداعاً يا شقيق روحي، إلى عفوٍ من الله و مغفرة و رحمة و جنّات خلد، سلّم لي على أبي يا مساعد، فهو يعرف أنك من أبنائه، أما عن النادي الأهلي، فإلى أن نلتقي بإذن الله و رحمته، اترك الأمر عليّ، أنا من اليوم “نصراوي و أهلاوي”!، و غازي العكشان معي، غازي الأصيل النبيل الذي رافقك في غرفتك الأخيرة، معي سنشجع “السومة”، كم كنت تحب الأهل و الأهلّة و الأهلي و الهلا بالضيوف.

*

و أكتب:

من كان له على مساعد بن ربيّع الرشيدي دَيْنٌ، فليحضر وثيقته خلال أسبوع، و من وثق أو حتى ظن أن مساعد بن ربيّع الرشيدي أخطأ في حقه فليسامح أو ليقتص منّي: اللفظ باللفظ و الأذى بالأذى.. و ليسامح و جزاكم الله الخير كله.