عربي وعالمي

خطة #بوتين لقلب النظام السياسي بالشرق الأوسط بمساعدة #ترمب

رغم استهانة صناع القرار الغربيين بأهداف وخطط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن الواقع أثبت أنها تحقق النجاح الذي يريده خاصة في الشرق الأوسط.

ستيفن كوك، الزميلٌ البارز في دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، يعترف في مقال نشره بموقع Salon الأميركي بأنه مع محللين آخرين كانت توقعاته خاطئة بالنسبة لنتائج التدخل العسكري الروسي في سوريا، وأن بوتين نجح في تحقيق أهدافه، وأن يجبر حلفاء أميركا على التنسيق معه، وهو يتجه حالياً لمحاصرة مصادر الطاقة القريبة من الغرب كما يجرى في ليبيا.

والأخطر أنه بينما كان أوباما يبالغ في تقليله من فعالية القوة الروسية، فإن إدارة ترامب جعلت فكرة وجود تهديد روسي من الأساس موضع شك.

نص المقال:

في واشنطن، عندما تُطرَح فكرةُ استقلال الأكراد عن العراق، يؤكِّد جميع أنواع الخبراء، والدبلوماسيين والمسؤولين السابقين: “لن يحدث أبداً”. وحتماً، دائماً ما يكون التأكيد مدعوماً ببيانٍ منمق ينم عن اطلاعٍ على التحديات الخطيرة التي يواجهها أكراد العراق، الأمر الذي يجعل استنتاج إعلان الاستقلال أمراً “غير منطقي”.

ولكن تظل احتمالية أن أكراد العراق قد ينتوون اتخاذ قرار عقلاني تماماً، ربما في المستقبل القريب. فالفجوة هنا مُتصلة بالفرق بين ما يعتقد المحلِّلون ما يجب على الأكراد فِعله، وهي قائمة على هذه الحسابات الخاصة بالمراقبين لسياسات الأكراد ومصالحهم، وبين الطريقة التي ينظر بها الأكراد وقادتهم إلى العالم بالفعل. هذه المشكلة من الممكن أن تتسبَّب في مفاجأة للمسؤولين الأميركيين “بأحداثٍ غير متوقعة”، وتجعلهم متأخرين عن تطوير سياسات مُناسبة.

ويُعد النقاش حول الأكراد واحداً من ضِمن أمثلة كثيرة على هذا التفكير المشكوك فيه الذي تتصف به السياسة الخارجية للولايات المتحدة. انظروا، على سبيل المثال، إلى قضية إيران في سوريا. من المفترض أن يكون الإيرانيين أُرهَقوا من دعم الرئيس بشار الأسد الآن، وجزءٌ كبيرٌ من السبب يرجع إلى الضغوط المالية للمحافظة على القتال. إلا أن الإيرانيين مستمرون.

وهناك أيضاً الروس، الذين لم يكن من المُفتَرَض أن يدخلوا شرق أوكرانيا أو يضموا القرم نتيجة إمكانيات موسكو المحدودة، وردّ حِلف الناتو العقابي المُرجَّح عليه. ومع ذلك، يساعد الإيرانيون (والروس) نظام الأسد دون أي موانع، ولم تتراجع روسيا عن تدخلها في أوكرانيا، على الرغم من عقوباتِ الغرب.

إلا أن ما ينقُص في التحليلات التي يجانبها الصواب حول تصرفات الآخرين المُرجَّحة هي الأفكار. فبالنسبة للأكراد، هناك أفكار مهمة عن الهوية على المحك. وفي طهران، لا يُقاس دعم الأسد بالمال، وإنما بالأفكار القوية عن الحالة التي يجب أن يكون عليها الشرق الأوسط ومكانة إيران فيها. كما يُحدِّد الحَدث المأساوي لفُقدان مكانة القوةٍ العُظمى نظرة فلاديمير بوتين القومية للعالم بوضوح.

هذا هو السبب وراء استهانة المحلِّلين الغربيين والأميركيين بأهداف روسيا، خاصةً في الشرق الأوسط، الأمر الذي لا يصب في صالحهم. وحتى عندما أصبح تفكير موسكو الاستراتيجي واضحاً خلال الأشهر القليلة الماضية، استمر الشعور الغالب بين خبراء السياسة الخارجية هو أن خطط الكرملين في المنطقة كان مُعداً لها، وأن نجاحات المنطقة كانت نتيجة حماقات وليس نتيجة ذكاء.

وهناك جانب آخر للأمر، فهناك افتراضات بأن الرئيس الروسي ليس لديه خطة أو موارد كثيرة، وهذه الافتراضات هي التي تسببت في سلبية أميركا والغرب، الأمر الذي في المقابل فتح المجال لفرص جديدة أمام الروس.

لكن تفسير سلوك موسكو في الشرق الأوسط لا يكمن فقط في عدم رغبة إدارة باراك أوباما في استيعاب مدى نوايا موسكو في المنطقة. في حين أن فريق الرئيس دونالد ترامب مهتم إلى حد ما بفهم ما تفكر فيه روسيا، مُلهَمين بمخاطر الوقوع في الخطأ نفسه في حال فشلهم في فهم خطط الكرملين في الشرق الأوسط وفهمهم لمجموعة الأفكار المهمة والفعالة.

أحقاده القديمة

يبدو أن شخصية بوتين من الشخصيات التي تحمل الضغائن. فالأمر الذي يجعله يفكر طويلاً للتخطيط للانتقام هو الإهانة التي وقعت في يوم عيد الميلاد عام 1991، في تمام الساعة 7:32 مساءً. ذلك المساء الذي أزُيلت فيه راية المنجل والمطرقة الخاصة بالاتحاد السوفييتي، والتي كانت ترفرف منذ عام 1923، ليُرفع مكانها، بعد 13 دقيقة، علم روسيا. والأمر لا يتعلَّق بأن الرئيس الروسي سوفييتي شيوعي مُتعصب بقدر أن تفكك الاتحاد السوفييتي والتراجع المتتالي لقوة روسيا النسبية كان بوجه أخص أمراً مؤلماً للرجل القومي الروسي.

ومنذ تلك اللحظة التاريخية، ولزيادة الطينة بلة، توسَّع حلف الناتو في الشرق، واحتاج اقتصاد روسيا إلى مساعدة من المؤسسات المالية الدولية ليتمكن من البقاء، وتصرَّفت الولايات المتحدة في العالم موليةً اهتمامٍ واحترامٍ قليلين للمصالح الروسية.

في حين قوَّضت الثورة البرتقالية في أوكرانيا القيادة المؤيدة لموسكو هناك لصالح مَن كانوا يتطلعون للغرب. فمن وجهة نظر روسية، بدا هذا كله مخططاً أميركياً غامضاً لمحاصرة موسكو وزعزعة استقرارها والتقليل من احترامها.

وهكذا، منذ اليوم الذي صار فيه بوتين رئيساً لروسيا الاتحادية، قام بتنفيذ خطة. فبينما كان الأميركيون منشغلين بأفغانستان، والعراق، وحل الصراع العربي – الإسرائيلي، والتخفيضات الضريبية، وترويج الديمقراطية في الشرق الأوسط، وشهادة ميلاد أوباما، وحركة حزب الشاي، ووضع حدٍ للديون، وإغلاق الهيئات الحكومية، وقانون الرعاية الصحية الأميركي، أعادت روسيا بناء إمكانياتها العسكرية، كما أعادت التفكير في عقائدها في الحرب والقتال.

وفي الوقت ذاته، سعى بوتين لإعادة بناء هيبة موسكو العالمية، مستغلاً في الأغلب الخطوات الأميركية الخاطئة، محلياً وخارجياً، لتقديم بديل، الأمر الذي أتاح للروس فرصةً للبدء في بناء مناطق نفوذ جديدة، وساعدها في ذلك، على نحوٍ هائل، الارتباك، والاستقطاب، وزعزعة الاستقرار الذي زرعته موسكو في الغرب عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، والتلفاز، والمال.

إذاً، ما الذي يعنيه كل ذلك في الشرق الأوسط؟ لم يمر وقتٌ طويلٌ على الفترة التي كانت فيها الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة في المنطقة. وفي مجالاتٍ عدة، لا تزال الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة، وذلك بالنظر إلى استمرار النفوذ الدبلوماسي، والعسكري، والتجاري لواشنطن، خصوصاً فيما يتعلَّق بمبيعات الأسلحة. ومع ذلك، أعادت روسيا بناء نفسها كقوةٍ في المنطقة.

فعلى أقل تقدير، تُدرِك دول الخليج الموالية للولايات المتحدة بصورةٍ واضحة أن عليها الآن أن تضع المصالح والأهداف الروسية في حسبانها. وهذا أمرٌ لم يتوجَّب عليها فعله على مدار الاعوام الـ25 الماضية.

مصر والتدخل في سوريا

ويرجع جزءٌ كبيرٌ من هذا التحوُّل في ديناميات القوة في المنطقة إلى التدخُّل الروسي في سوريا، الذي بدأ أواخر سبتمبر/أيلول 2015، وهي العملية التي اعتقد عددٌ لا بأس به من المُحلِّلين الغربيين (بمن فيهم كاتب هذا التقرير) أنها ستكون قصيرة الأمد، وغير فعَّالة، وذات آثار سلبية على الجيش الروسي.

وبقدر ما برهنت موسكو على مكرها، فقد حقَّقت أيضاً عدداً من الأهداف المهمة. إذ بعث الروس بإشارةٍ مفادها أنها ستقف إلى جانب حلفائها، الأمر الذي أبرز التمايز بين موسكو وواشنطن، التي يعتقد الكثيرون في المنطقة أنها عاجزة.

وأرغم الروس أيضاً حلفاء مهمين للولايات المتحدة، مثل تركيا وإسرائيل، على اللجوء لروسيا نتيجة رغبة أولئك الحلفاء في تحقيق أهدافهم في سوريا. وتعاون بوتين كذلك مع الإيرانيين الذين يشعرون بالانزعاج، مثل في ذلك مثل الروس، من النظام السياسي الإقليمي الذي أسَّسته الولايات المتحدة.

وينظر المصريون، الذين استفادوا من المساعدات الاقتصادية والعسكرية السخيَّة للولايات المتحدة على مدى سنواتٍ طوال، بوضوحٍ إلى روسيا باعتبارها بديلاً للولايات المتحدة. لدرجة أن الحكومة المصرية عارضت التدخُّل الأميركي المُحتَمل في سوريا أواخر صيف 2013، لكنَّها أيَّدت العمليات العسكرية الروسية هناك.

ولكي نكون منصفين، مَنحَت الولايات المتحدة المصريين دافعاً كي يسعوا وراء الحصول على دعمٍ من طرفٍ آخر.

ويُعَد الدبلوماسيون والمُلحقون العسكريون المصريون في واشنطن متابعين دؤوبين للسياسة الأميركية. وخلال السنوات الأخيرة، بدأوا في الشعور بالقلق حيال الخلل في عمل الكونغرس والتوجُّهات الانعزالية المتنامية تدريجياً داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وأدرك المصريون أن تلك التطوُّرات قد تؤثر سلباً على الـ1.3 مليار دولار المُخصَّصة للمساعدات الأميركية التي تُقدَّم لهم.

وهناك أيضاً الاتِّهام المصري الخاطئ بأن الولايات المتحدة دعمت الإخوان المسلمين. وبقدر ما قد تكون اتِّهاماتهم بلا أساس واقعي، إلّا أنها تُقدِّم فرصةً للقيادة الروسية، التي تخلو رؤاها إزاء الإسلام السياسي من التمييز (بين الجماعات والتنظيمات المختلفة المُتبنية لهذا النهج) على نحوٍ لافت، للموائمة بالتالي مع وجهات نظر القادة المصريين.

ليبيا

ثُمَّ هناك بعد ذلك ليبيا، حيث التقى الروس بالجنرال خليفة حفتر، القائد الذي نصَّب نفسه قائداً للجيش الذي بدوره أعلن نفسه جيشاً وطنياً لليبيا.

ويُعَد حفتر مُتشدِّداً تجاه الإسلاميين بنفس قدر رعاته الإقليميين: الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وولي عهد الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد. لكنَّ ما يجري في ليبيا أكبر من مجرد معركةٍ ضد التطرُّف.

إذ تمتلك البلاد أكبر احتياطياتٍ مُثبَتَة للنفط الخام الحلو الخفيف عالي الجودة في العالم. وتمتلك كذلك الكثير من حقول الغاز الطبيعي. وكلا الأمرين يجعلان ليبيا بلداً مهماً لأوروبا. ويُفكِّر الروس على نحوٍ واضح في المستقبل، فربما ينتهي الحال بحفتر ليصبح هو رجل ليبيا القوي الجديد، لكن حتى إذا لم يصبح كذلك، فإنَّه يُمثِّل السلطة في شرقي البلاد، حيث يوجد الكثير من النفط. وبينما يبحث الأوروبيون عن سُبُلٍ لتقليص اعتمادهم على مصادر الطاقة الروسية، فإنَّ موسكو تبحث عن سُبُلٍ للإبقاء عليهم مُحاصرين وبالتالي ضعفاء.

والآن فقط تدرك الولايات المتحدة والغرب بصورةٍ عامة أن الروس لا يدعمون أهدافاً فحسب، بل لديهم أيضاً أهدافاً واضحةً، وفهماً لكيفية تحقيقها، وموارد قومية مُكرَّسةً لتلك العملية.

وبعبارةٍ أخرى، كان الروس يُفكِّرون بطريقةٍ استراتيجية. والسؤال هو: ماذا ينبغي أن تفعله واشنطن وحلفاؤها حيال ذلك؟ في السابق، كان هذا التحدي الروسي ليُمثِّل دعوةً واضحة للتحالف الغربي من أجل القيام بالرد، لكنَّ رئاسة ترامب جعلت فكرة وجود تهديد روسي من الأساس موضع شك.

ويبدو ترامب ومستشاروه أكثر اهتماماً في فكرة تدمير “الإرهاب الإسلامي المُتطرِّف” لدرجة أن لديهم رغبةً جامحة للدخول في شراكةٍ مع الكرملين. لكن ما يغفلون عن رؤيته هو أنه في حين قد يكون هناك التقاء للمصالح في مسألة محاربة المتطرفين، إلّا أن استراتيجية روسيا تذهب أبعد كثيراً من هذا الهدف المرحلي.

فبدلاً من ذلك، يرغب بوتين في إعادة صياغة قواعد الشرق الأوسط وقَلْبِ النظام السياسي الإقليمي الذي جعل من ضمان التدفُّق الحر لمصادر الطاقة من المنطقة، وضمان أمن إسرائيل، ومحاربة الإرهاب، ومنع انتشار الأسلحة النووية بالنسبة لواشنطن أمراً أكثر سهولةً وأقل كلفةً نسبياً. هذه هي الخطة الروسية – سهلةً وبسيطةً.