فن وثقافة

“القفاص”.. محترف تحويل جريد النخل إلى منتجات للاستخدامات اليومية

(القفاص) صاحب حرفة عرفت منذ القدم في الكويت ودول المنطقة إذ اتخذ من جريد النخل مادة لتحويلها باسلوب هندسي إلى منتجات ومشغولات مميزة استخدمها سكان البلاد في منازلهم قديما مثل الاسرة وصناديق نقل الفواكه والعرائش واقفاص الطيور.

والقفاص اصطلاحا كما جاء في (المعجم الوسيط) هو صانع الأقفاص ويقال تفاقص الشيء أي تجمع أو تشابك حيث كان يقوم عمل القفاص على شبك جريد النخيل بأسلوب محترف لصناعة منتجاته.

ولم تقتصر مهنة (القفاص) على الكويت بل كانت حرفة رائجة في معظم دول الخليج وبعض الدول العربية لاسيما العراق ومصر التي لا يزال يستخدم فيها منتجات القفاص الى وقتنا الحاضر.

ومن أشهر منتجات (القفاص) التي عرفها اهل الكويت واستخدموها قديما (المنز) وهو سرير الطفل و(الرك) وهو صندوق نقل الفواكه و(العمارية) وهي مضلات لحماية الباعة في الاماكن المكشوفة بالاضافة إلى اقفاص الطيور.

وحول عمل القفاصين في الكويت قال الباحث في التراث الكويتي محمد عبد الهادي جمال في لقاء مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الخميس إن القفاص هو الشخص الذي يقوم بصناعة المنتجات من مادة خام واحدة هي جريد النخل أي ساق سعفة شجرة النخيل مشيرا الى ان من اشهر القفاصين في الكويت قديما المرحوم عوض القفاص وولده محمد القفاص.

وأوضح أن القفاص يستخدم سعف نخل (البرحي) فقط في منتجاته وذلك لقوته وسماكته وسهولة العمل عليه مشيرا الى أن سعف البرحي كان يجلب قديما عن طريق (الأبلام) – جمع بلم – وهي السفن الشراعية الصغيرة من العراق وإيران.
وذكر ان السعف كان يجلب على شكل ربطات تحتوي الربطة الواحدة على 25 سعفة وتسمى (كارة) حيث يشتري القفاص مئات الربطات وربما حمولة (بلم) كامل والتي قد يصل عددها إلى 1000 ربطة بقيمة تصل آنذاك الى حوالي 10 روبيات (الدينار الكويتي يعادل نحو 13 روبية عند أول اصدار له).

وعن خطوات عمل القفاص بين الباحث جمال أنه يبدأ أولا بإزالة (الخصف) وهو ورق السعف ومن ثم قطع (الكربة) وجمعها (الكرب) وهي قاعدة السعفة باستخدام (عكفة) وهي آلة حادة تشبه محش الزرع وذلك لفصل (الخصف) عن الجريد او يستخدم آلة أخرى كالساطور لقطع (الكرب).

وذكر ان (الكرب) الذي يتخلص منه القفاص يقوم ببيعه على الخبازين أو الأهالي لاستخدامه كوقود للطبخ أو أفران التنور بسعر يتراوح من 3 الى 5 روبيات لكل 1000 قطعة.

وأضاف أن الخطوة الثانية هي تنقيع (الجريد) بماء البحر مدة لا تزيد عن اربعة أيام لجعله طريا سهل التشكيل والقطع والتثقيب حيث يقوم القفاص بدفن كميات منها في حفرة بعمق 40 الى 50 سنتيمترا يتم حفرها على ساحل (النقعة) وهي مرسى للسفن الخشبية ليعود في الوقت المحدد وينقلها الى مكان العمل.

وحول المنتجات التي يصنعها القفاص قال جمال أن من أبرز تلك المنتجات قديما (الركوك) ومفردها (الرك) وهي عبارة عن صناديق مختلفة الأحجام كان يستخدمها أصحاب المتاجر لنقل بضائعهم من الفواكه والخضروات من السفن الراسية على شاطئ البحر إلى (الفرضة) وهي سوق بيع الفواكه والخضروات.
واوضح ان اصحاب الدكاكين كانوا يضعون علامات معينة على (الركوك) التابعة لهم للتعرف عليها باستخدام الزفت السائل (السيالي).

كما كان القفاص يقوم بصناعة (المنز) وهي اسرة خاصة بالأطفال الى جانب صناعة أسرة نوم للكبار وكان سعر (المنز) انذاك يبلغ سبع روبيات والسرير المفرد للكبار 10 روبيات والمزدوج يتراوح سعره بين 15 الى 20 روبية.

ولا يتأثر سرير الجريد بالأمطار والبرد بينما تؤثر فيه الشمس لذلك كان يتوجب رشه بالماء يوميا أثناء فترة الصيف ووضعه خارج الغرف في الهواء الطلق حتى لا تصيبه العثة.

وبين الباحث جمال أن سوق صناعة السراير يزدهر في فصل الربيع عند (تكريب) النخل أي تنظيف سيقان النخيل من بقايا السعف والكرب في البصرة والمحمرة وقطع السعف فيها حيث تتوجه الأبلام من هناك إلى الكويت.

وذكر ان القفاص يصنع أيضا (العمارية) وهي عريش صغير مكون من قطعتين كبيرتين مستطيلتي الشكل تستخدم لإيواء الباعة من أصحاب البسطات في الأسواق المفتوحة قديما حتى تحميهم من حرارة الشمس مبينا أن طول الجناح الواحد من (العمارية) يبلغ حوالي أربعة أمتار وتغطى بالخيش أو حصير الخوص لحمايتها من الشمس والمطر.

وأضاف ان القفاص يقوم ايضا بصناعة أقفاص الطيور بأحجام وأشكال مختلفة حسب نوع الطير الذي يوضع به حيث لا تزال أقفاص الجريد الى اليوم لها من يصنعها ومن يرغب في اقتنائها.

ويزخر تاريخ الكويت بالكثير من المهن والحرف اليدوية ومنها (القفاصة) التي عمل فيها الكويتيون قديما لكسب الرزق والتي كانت تلبي احتياجات سكان البلاد في معيشتهم حيث تركت هذه المهن والحرف ارثا ومخزونا ثقافيا لاتزال جذوره ممتدة حتى الان.