أقلامهم

البدلة الداكنة

إصرار مسلم البراك على الظهور ببدلة السجن، التي رافقته عامين كاملين في سجنه، رسالة رمزية لمن يعيها، صاحبها يكرر بتصريحات ملتهبة أنها أشرف من آلاف البشوت، هي بالفعل أصدق وأرقى مقاماً من البشوت السوداء المبخرة، تلك البدلة الداكنة، تخبرنا أن صاحبها أودع السجن لرأي قاله خالف القانون، لكنه كان رأياً وليس فضيحة مالية كسرقة كبرى من المال العام، أو كان حكاية منسية من آلاف حكايات الفساد حين تدس تحت سجاد الصمت واللامبالاة السياسية أحياناً، وفي أحايين أكثر تفصل لها المخارج القانونية مع تكريم لصوصها “الأبطال” ببقائهم في مراكزهم الوظيفية وتحصينهم سياسياً من المساءلة، وتسخير “بروباغندا” المكينة الإعلامية لصالحهم، فهي ملكهم وتحت تصرفهم.

امتعض عدد من “لوردات” الوطن المتربعين على الوسائد العميقة الناعمة لمنح وسحب الجناسي الكويتية تحت عذر صفاء الهوية الوطنية من البدلة الداكنة حين ارتداها صاحبها بعد خروجه من قفص السجن، وجدوا بتفاهة وخواء تدقيقهم بتوقيت ارتدائها أن السجين السابق أراد بها التكسب السياسي، وكأنه بعد سنتين من مصادرة حريته، وبعد سنوات ممتدة من النضال السياسي وفضح عورات المتكسبين مالياً من مراكزهم العالية في دوائر “إن حبتك عيني ما ضامك الدهر”، بحاجة لمزيد من الرصيد السياسي الانتخابي، والمزيد من النجومية في عالم المهمشين! كم هي غريبة تلك السطحية الفكرية، وكم هي مثيرة للغثيان تلك السذاجة المصطنعة.

تلك البدلة البنية البسيطة أكثر أناقة من بدلات لوردات الانتهازية المصممة في دور الأزياء الفرنسية، حين يتباهى بها أصحابها في صالات انتظار الدرجة الأولى بالمطارات الدولية، هي أكثر عمقاً في معانيها من جلابيب وبشوت الرزات الإعلامية في افتتاحات مراكز بهرجة خاوية لا تحمل أي بعد حضاري لها، هي بدلة معبرة في بلد يندر أن نجد فيه التعابير الصادقة، وكان مشهد هرولة حشود البشر للقاء صاحب البدلة البنية في فضاء الساحة المقابلة للسجن أبلغ تعبير جماهيري حقيقي لصاحب البدلة والقضية التي يقف من أجلها.

رسالة بدلة السجن هيجت مراكز التوتر العصبي للقاطنين في الأدوار العليا في مستشفى الأمراض النفسية للذات النرجسية، وكشفت أمراضهم الاجتماعية، وفضحهم وتعريتهم هو المطلوب الآن وبكل وقت.