بورتريه

تركي السديري.. اليتيم الذي أصبح ملك الصحافة

أيام معدودة كانت تفصل حفل التكريم المعد للراحل تركي السديري – الرئيس السابق لمجلس إدارة الهيئة، من قبل هيئة الصحافيين، لكن فجع الوسط الإعلامي اليوم الأحد بوفاة ملك الصحافة عن عمر 73 عاما. تركي السديري لم يكن مجرد رئيس تحرير، وإنما كان وسيظل الأب الروحي لكل من عرفه عن قرب وتعامل معه.

في لقاء صحافي سابق، قال السديري: “الصحافة بالنسبة لي ليست مهنة فقط، بل هي الحياة والتواصل والاكتشاف والابتكار، وهي بساط الريح، وهي صندوق العجائب”، كاشفاً عن أسرار استمرار تطور صحيفة الرياض في ظل رئاسته لتحريرها طوال 4 عقود”.

وأضاف: “أحترم من عمل معي، وزاملني، وأعتبرهم جميعاً منافسين دون استنقاص من أي زميل، وكذلك الصحف”.

وذكر في حواره السابق أنه كان يرى نفسه تركي السديري اليتيم الذي دخل الصحافة ليعول أسرته قبل 50 عاماً، وذلك رغم شعوره بالإطراء، وسعادته لسماع من يجامله بألقاب “عميد الصحفيين السعوديين”، و”ملك الصحافة السعودية”، التي أطلقها عليه الملك عبدالله بن عبد العزيز، رحمه الله. وعبّر السديري – وقتها – عن شعوره بعد استقالته من رئاسة تحرير جريدة الرياض بأنه فقد عمره، وكسب العديد من الأبناء.

من هو؟

السديري المولود بمحافظة الغاط عمل كرئيس تحرير جريدة الرياض منذ عام 1394 وحتى قبول استقالته بتاريخ 16 شوال 1436. لا يختلف اثنان على أن تركي بن عبدالله السديري يعتبر أشهر من النار على “علم”، ورمزا من رموز الصحافة #السعودية والخليجية وحتى العربية، وخير دليل على ذلك هو استمراره رئيسا للتحرير لمدة 41 سنة في جريدة الرياض التي شهدت قفزات نوعية وتطوراً في عهده فأصبحت خلال تلك السنوات تتربع على عرش الصحافة السعودية، ولعل اللقب الشهير الذي أطلقه الملك عبدالله بن عبدالعزيز في أحد لقاءاته مع الإعلاميين السعوديين على تركي السديري لقب ملك الصحافة دليل قاطع على ذلك التفرد الذي يتمتع به.

كرس وقته وجهده لقراءة مؤلفات توفيق الحكيم والمنفلوطي ويوسف السباعي ومحمود تيمور وعدد كبير من الروائيين العرب ليذهب إلى الأدب الروسي الذي أبحر فيه، فقد قرأ لدستوفسكي وبوشكين وتيشيخوف، كما اهتم بالروايات الفرنسية وبالأدب الأميركي، خاصة الأدب الزنجي.

مسيرته المهنية

تقلد السديري مناصب عدة في مؤسسة اليمامة الصحافية، وطريقه لرئاسة تحرير جريدة الرياض لم يكن سهلا بطبيعة الحال، فقد تدرج السديري من محرر رياضي إلى محرر سكرتير المحليات، ومن ثم سكرتيراً للتحرير، وأخيرا رئيسا للتحرير.

وعن ذلك تحدث في أحد الحوارات الصحافية التي أجريت معه؛ قائلا إنه قد تم اختياره كمرشح ثالث لتولي رئاسة التحرير في الصحيفة، ولكن الاختيار وقع عليه ليتولى ذلك المنصب الكبير والمهم، ولا يخفي السديري أنه قد تفاجأ بذلك القرار الذي يقف وراء ذلك وجود من هم كانوا أقدم منه.

إلى جانب مقالاته الرياضية الإبداعية المتميزة التي اكتست بالثوب الأدبي الجميل، تتجلى المهنية الخلاقة لتركي السديري من خلال حواراته الصحافية الخالدة التي التقى فيها مع شخصيات سياسية ومسؤولة رفيعة، وزاويته شبه اليومية (لقاء) التي استحقت أن يطلق عليها الزاوية الأطول عمرا في الصحافة السعودية حيث استمرت 43 عاماً.

في عام 1392هـ، كانت ولادة زاوية (لقاء) التي رأت النور على صفحات جريدة الرياض في العدد 2300، ومنذ ذلك الحين أصبحت بمثابة النافذة التي يطل من خلالها العالم على التحولات والانكسارات والنجاحات والتطورات التي حدثت في المجتمع السعودي والعربي حتى اليوم، وقد وصفها الباحث عبدالله السمطي بالوثيقة التاريخية التي تتضمن صوراً شتى من الأحداث والوقائع والتحليلات المتعددة، خاصة على المستوى السياسي، وكما وصف السديري بالشاهد على العصر.

في عام 1991م انطلقت صحف من لندن، والأيام من البحرين، والراية من قطر، بنشر زاوية (لقاء) يوم صدورها في جريدة الرياض. وبشهادة الكثيرين فإن السديري أثرى الساحة الإعلامية السعودية، وبذل فيها عطاءه الجزل، وأسهم في تطور الصحافة السعودية التي تقود ركب الصحافة العربية، وللسديري بصمة واضحة في نمو وتقدم وتطور الشباب السعودي في المجال الإعلامي، وحتى أصبحت الصحافة السعودية يشار لها بالبنان في العديد من الدول العربية والإسلامية والعالم