عربي وعالمي

4 سنوات على “رابعة”.. ضحايا وأحداث في طي النسيان

4 سنوات مضت على فض اعتصامي “رابعة العدوية”، و”النهضة”، بالقاهرة الكبرى، لم يتبق من ذكراهما سوى أرقام متضاربة للضحايا، وتحقيقات في أدراج الحكومة.

وبينما تتواجد عشرات القضايا بالقاهرة، والأقاليم؛ متهم فيها أنصار الاعتصام بـ”العنف” و”القتل”، لم تنظر محكمة واحدة اتهامات أسر الضحايا لمسؤولين بالبلاد، أو تُخضعهم لتحقيقات بشأن تلك الأحداث، وفق منظمات حقوقية دولية.

أرقام القتلى والمصابين أيضًا محل اختلاف، بين أنصار للاعتصام يعدونها بالآلاف، في مقابل تقارير حكومية وحقوقية تقول إنها لم تتجاوز الألف.

وجاء التسلسل الزمني والمعلوماتي لأحداث وضحايا فض الاعتصامين، في عامهما الرابع، وفق تقارير صحفية، ومعلومات وبيانات رسمية وغير رسمية، كالتالي:

حشد مقابل حشد

في 23 يونيو/ حزيران 2013، تجمع أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في مصر، تتصدرهم جماعة “الإخوان”، في ساحة مسجد “رابعة العدوية”، بحي مدينة نصر، شرقي القاهرة، دعمًا لـ”شرعيته”، في مواجهة دعوات كانت في قمتها تطالبه بالدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، بعد نحو عام من وصوله إلى السلطة في صيف 2012.

بداية الاعتصام

ميدان “رابعة” المتاخم لمؤسسات ومقار عسكرية بارزة شهد يوم 28 يونيو/حزيران 2013، بدء اعتصام لأنصار مرسي، قبل يومين من دعوات معارضة له بالاحتشاد ضده في الميادين، حتى جاء مساء 3 يوليو/تموز 2013، وأعلن وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي الرئيس الحالي، عزل مرسي وتعيين عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية أعلى محكمة بالبلاد رئيسًا مؤقتًا للبلاد.

وقتها تحول “رابعة” في أنظار كثيرين، إلى محطة أولى بارزة، رغم اعتصامٍ ثانٍ عُرف بـ”النهضة”، في محافظة الجيزة غربي القاهرة، وبدأت من “رابعة” خطابات الرفض، ومظاهرات تحدي قرار العزل في مدة وصلت نحو شهر ونصف الشهر.

مواجهات ثم إنذار بالفض

وتخلل فترة الاعتصام بميداني “رابعة العدوية” و”النهضة”، مواجهات أمنية للمعتصمين، أبرزها حادثان بالقرب من اعتصام “رابعة”، هما: “الحرس الجمهوري” في 8 يوليو/تموز 2013، و”المنصة” في 27 من الشهر ذاته، خلّف الأول 51 قتيلًا على الأقل، وأكثر من 435 مصابًا، والحادث الثاني، نتج عنه 38 قتيلًا، وفق وزارة الصحة.

بينما حدثت مناوشات مع معتصمي “النهضة”؛ منها مواجهات منطقة “بين السرايات”، غربي القاهرة، في 2 يوليو/تموز 2013، بالقرب من اعتصام “النهضة” خلفت 23 قتيلًا، وعشرات المصابين، حسب تقديرات رسمية وغير رسمية.

وبدت النوايا بفض اعتصامي “رابعة” و”النهضة”، علنية يوم 31 يوليو/تموز 2013، حين فوَّضت الحكومة وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، آنذاك، بإعداد الخطط اللازمة لفض الاعتصامين، دون تحديد موعد بذلك.

وخلال الأسبوعين اللذين سبقا عملية الفض، فشلت مبادرات محلية ودولية، لحل الأزمة، بالتزامن مع شحن إعلامي ضد الاعتصام، يقابله تزايد في أعداد المعتصمين التي قدرت بمئات الآلاف.

ساعة الصفر

في السادسة صباحًا (04:00 ت.غ) من يوم الأربعاء، 14 أغسطس/ آب 2013، بدأ الأمن المصري، تنفيذ قرار فض اعتصامي أنصار مرسي لقرابة 12 ساعة، وسط انقطاع للاتصالات، وتحليق طائرات عسكرية، وتقدم لمدرعات ومركبات شرطية وعسكرية، وأصوات للرصاص من مختلف جوانب الميدان؛ وسط اتهامات من الجانبين حول من بادر بإطلاق النيران.

ووسط الفض، توالت أنباء سقوط ضحايا كانت تمتلئ بهم قاعات مسجد “رابعة”، لا سيما قاعة المستشفى الميداني، وشوارعه المحيطة ومنصته الرئيسية.

وخلال عملية الفض، سُمح أمنيًا، عبر ممر، لأعداد كبيرة من المعتصمين بالخروج من الميدان، ومع نهاية اليوم، بدأ المغادرون بالحشد عند مسجد “الإيمان” القريب من الاعتصام الذي تحول لمقر يمتلئ بمئات الجثث نقلت من “رابعة”، وحشود مماثلة لذويهم، وسط نحيب وذهول.

وفي اليوم ذاته، شهدت مصر أعمال عنف على امتداد البلاد، طالت كنائس وأقسام شرطة، ومنشآت حكومية، نفت “الإخوان” اتهامات الحكومة لها بالمسؤولية عنها.

كما شهد اليوم ذاته، بيانات من مختلف أنحاء العالم ما بين إدانة للفض، ودعم لاستقرار مصر ومطالب بالتهدئة، بالتزامن مع وقفات احتجاجية أمام سفارات مصر في عواصم عربية، واستقالة محمد البرادعي، نائب الرئيس المصري آنذاك؛ احتجاجًا على “الفض الأمني بالقوة”.

أرقام متباينة وضحايا تتزايد

بعد يوم من فض “رابعة” و”النهضة”، أعلنت وزارة الصحة عن سقوط 333 قتيلًا مدنيًا، و7 ضباط، و1492 مصابًا خلال فض الاعتصامات.

وأعلن “تحالف دعم الشرعية” المؤيد لمرسي، في بيان عقب أحداث الفض، أن ضحايا الفض تجاوزوا الـ2600 قتيل، فضلًا عن آلاف المصابين والمعتقلين.

كما قالت منظمة “العفو الدولية” (حقوقية مقرها لندن)، في أكتوبر/تشرين أول 2013، إنها وثقت 600 حالة قتل، وأشارت إلى أن الجهات الأمنية لم تمكنها من الوصول إلى كل أماكن الاشتباك، والاعتداء بشكل ييسر لها الحصر بدقة.

فيما أكدت مصلحة الطب الشرعي في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 حصر 627 قتيلًا، خلال واقعة فض اعتصام “رابعة” وحده.

وفي 16 أغسطس/آب 2013، أعاد المتظاهرون تنظّيم أنفسهم، وخرجوا في مسيرة حاشدة بعد صلاة الجمعة إلى ميدان “رمسيس” (وسط القاهرة)؛ احتجاجاً على فض الاعتصامين، فرقتها قوات الأمن، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 120 متظاهرًا، حسب مصلحة الطب الشرعي.

وفي 21 ديسمبر/كانون أول 2013، شكلت الحكومة المصرية “لجنة تقصي الحقائق” حول أحداث 30 يونيو/حزيران؛ للنظّر في حوادث القتل، والأحداث التي سبقتها وأعقبتها.

وفي 25 ديسمبر/كانون أول 2013، أعلنت الحكومة المصرية جماعة “الإخوان” التي تصدرت الاعتصامين “منظمة إرهابية”.

وفي فبراير/شباط 2014، أحالت النيابة العامة قضية عُرفت إعلاميا باسم “غرفة عمليات رابعة”، لمحاكمة 15 شخصًا بينهم قيادات، وأنصار للاعتصام بتهم متعلقة بالعنف، وهي التهم التي نفاها المتهمون، وشهدت القضية أحكامًا بالبراءة والسجن.

وفي مارس/آذار 2014، أصدر “المجلس القومي لحقوق الإنسان” (حكومي) تقريرًا عن يوم الفض، قال فيه إن 632 قتلوا بينهم 8 شرطيين، وأصيب 1942، وتم القبض على 800 شخص خلال تلك الأحداث.

وأشار التقرير الذي أوصى بفتح تحقيق قضائي مستقل في الأحداث إلى أنه من مساء يوم الفض وحتى يوم 17 أغسطس/آب 2013 اندلعت أعمال عنف في البلاد، خلفت 686 قتيلًا منهم 64 شرطيًا.

2014.. الذكرى الأولى (أرقام متباينة)

وقبل أيام قليلة من الذكرى الأولى، وتحديدا في 11 أغسطس/آب 2014، قال اللواء هاني عبد اللطيف، المتحدث باسم وزارة الداخلية آنذاك، في تصريحات صحفية، إن إجمالي ضحايا الشرطة، خلال فترة الفض بين يومي 14 إلى 31 أغسطس/آب 2013، بلغت 114 “بينهم 30 ضابطًا، و82 فرد شرطة، وموظف مدني واحد، وخفير واحد”، دون إشارة لضحايا آخرين.

وفي 12 أغسطس/آب 2014، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية في توثيق بعنوان “حسب الخطة” بشأن الفض، إن “ما لا يقل عن 817 شخصًا قتلوا، وأكثر من ألف أصيبوا على الأرجح”، وهو توثيق رفضته السلطات المصرية وقتها.

وفي يوم الذكرى الأولى للفض، خرجت مظاهرات لإحياء تلك الذكرى بأنحاء مختلفة، خلّفت قتيلين من مؤيدي مرسي بمحافظة الجيزة، وتوقيف أكثر من 60 شخصًا.

كما أطلق مناصرون لمرسي، حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “قصة رابعة” بهدف “التعريف بما حدث، والتوثيق لأحداث الاعتصام، بالإضافة إلى إحياء وتخليد الذكرى” وفق القائمين عليها.

وفي نوفمبر/ تشرين ثان 2014، أعلنت “لجنة تقصى الحقائق” (تشكلت 21 ديسمبر/ كانون أول) في تقريرها، إن عدد القتلى 8 من الشرطة، و607 من المعتصمين في “رابعة”، بينما كان في “النهضة” 88 قتيلًا، وكان عدد المصابين في “رابعة” 156 شرطيًا، و1492 مصابًا مدنيًا، بينما في “النهضة” 366 مصابًا مدنيًا.

وفي المقابل، ظلت جماعة “الإخوان المسلمين” متمسكة، بقولها في بيانات وتصريحات لقادتها، إن “آلاف الضحايا قتلوا في عملية الفض، وما سبقها وما تلاها من اشتباكات، بالإضافة إلى آلاف المصابين والمعتقلين”.

2015.. الذكرى الثانية (محاكمة للمعتصمين)

قبيل الذكرى الثانية لفض “رابعة”، وفي نهاية شهر يونيو/ حزيران 2015، اغتيل النائب العام المصري هشام بركات، الذي كان صاحب الإذن القضائي في فض الاعتصامين، وفي 12 أغسطس/آب من العام ذاته سُمي ميدان “رابعة” باسمه “ميدان هشام بركات” رسميًا.

وفي 12 أغسطس/آب 2015، أُحيلت للجنايات قضية بعنوان “الفض المسلح لرابعة” تضم 739 متهمًا أبرزهم مرشد “الإخوان”، محمد بديع (تم القبض عليه والعديد من قيادات الإخوان في أماكن وأوقات متفرقة عقب الفض)، بتهم بينها القتل وارتكاب عنف، ولم يصدر حكم فيها بعد.

في الذكرى الثانية للفض في 14 أغسطس/آب 2015، قالت “هيومن رايتس ووتش”، الدولية في تقرير لها بعنوان “ينبغي إقرار تحقيق دولي في مذبحة رابعة”، إن “السلطات المصرية لم تحتجز أي مسؤول حكومي أو أي فرد من قوات الأمن، المسؤولة عن القتل الجماعي للمتظاهرين، في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة منذ عامين”.

ولم تفتح السلطات المصرية أي تحقيق في ضحايا فض الاعتصامين، وفق بيانات حقوقية ومعارضة سابقة، دون إبداء أسباب، بينما فتحت عشرات القضايا بالقاهرة والمحافظات لأنصار الاعتصام، وفق قانونيين مُطلعين على القضايا تحدثت معهم الأناضول.

ويوم الذكرى الثانية، خرجت مسيرات عديدة و”سلاسل بشرية”؛ لإحياء الذكرى في أحياء مختلفة بمصر فرقت بعضها قوات الأمن، فيما نُظّمت “سلاسل بشرية” تحمل إشارة “رابعة”، وصورًا لمرسي بقرى وأنحاء نائية بالبلاد.

2016.. الذكرى الثالثة (بحث عن العدالة)

في الذكرى الثالثة، تراجعت آليات الحشد، بشكل لافت مع قيود قانون التظاهر والمواجهات الأمنية للمخالفين، وتركزت عبر منصات التواصل الاجتماعي لنعي ضحايا الاعتصام.

وفي 14أعسطس/آب 2016، طالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، البرلمان المصري بإصدار قانون للعدالة الانتقالية، ليسمح بفتح تحقيق جديد ومحايد في واقعة الفض، وهو قانون بحسب الدستور يلزم إصداره، ولم يقدم البرلمان تفسيرًا لتأخيره حتى الآن.

2017.. الذكرى الرابعة (مجرد أرقام)

تحل الذكرى الرابعة للفض، اليوم الإثنين، دون إعلان واضح لفعاليات من جانب أهالي الضحايا أو جماعة “الإخوان” أو مواقف حكومية بشأن تلك الذكرى، غير أن قيادي بارز من جماعة “الإخوان”، قال للأناضول إنه يخشى أن يتحول الضحايا لـ”مجرد رقم”، ضمن أرقام متناثرة هنا وهناك.

وأوضح أحمد رامي، وهو قيادي بجماعة “الإخوان” متواجد خارج مصر، أنه مع مرور الوقت دون محاكمات لمن قتل، قد يتحول الضحايا لمجرمين، وأعرب عن أمله في تحويل أسماء الضحايا إلى شخصيات، ووقائع حية ومشاعر إنسانية، تُجسدها أعمال فنية وأدبية.