أقلامهم

لكي لا نمشي “عالبركة”

كيف تسير أمور هذا البلد؟

أكاد أجزم أن الأغلبية الساحقة ستكون إجابتها واحدة، وهي «عالبركة». فلا يختلف أحد على أننا منذ ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم ونحن ندور في الحلقة نفسها من دون تقدم ملحوظ، وهذا الأمر ينطبق على المستويات كافة… فعلى المستوى السياسي لا تزال الفوضى السياسية هي سيدة الموقف من خلال ترسيخ العمل الفردي وخدمة المصالح الضيقة والابتعاد عن مشروع بناء وطن، وعلى مستوى التنمية فلا شيء أبلغ من إعلان الحكومة فشل خطة التنمية التي رصد لها أكثر من 37 مليار دينار كويتي.

لا أريد أن أطيل أكثر في طرح مشاكلنا والتذمر الذي مل منه الشعب، فنحن في الكويت وصلنا لمرحلة لم يعد يؤثر فينا التذمر والتشكي من الوضع العام، بل أصبحت تلك المشاكل مادة دسمة للضحك والنكت التهكمية، فكما يقول المثل: شر البليّة ما يضحك!

الشعب يريد حلولاً ويريد أملاً يعيش عليه، والحقيقة أن الحلول الواقعية موجودة ويمكن تطبيقها بمجرد أن نشخص الخلل والمرض الرئيسي المتسبب بكل هذه المشاكل، وبالضبط كما نقوم بالتشخيص في المستشفيات، نبدأ أولاً بأخذ التاريخ المرضي؛ فالبداية كانت في عام 1962 عندما تم إقرار دستور دولة الكويت، الذي اعتبره بعض أطراف السلطة «غلطة تاريخية» للأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم. فرغم كون هذا الدستور هو دستور الحد الأدنى، حيث أنه لم يرسخ مبادئ العمل السياسي الحقيقي عبر شرعنة الأحزاب والعمل المنظم، وكذلك وضع مركز السلطة الأكبر في حضن الحكومة التي اعتبر وزراؤها أعضاءً في البرلمان «كمشرعين» بحقوق تفوق حق النائب المنتخب، في المقابل وضع النظام الانتخابي بطريقة تسمح بتفتيت المجتمع من خلال دوائر انتخابية مقسمة بحيث يكون هناك تفاوت في الأعداد واختلاف في تركيبتها الاجتماعية، مطبقين سياسية «فرّق تسد».

ورغم كل ذلك إلا أن السلطة لم تترك الأمر للصدفة، بل قامت بوقف العمل بالدستور أكثر من مرة، وغيّرت النظام الانتخابي أكثر من مرة لتضمن عدم تطوّر المنظومة السياسية واستمرار الوضع على ما هو عليه، بل والوصول لمرحلة تكفير الشعب بالديموقراطية.

وعلى الجانب الآخر، هناك شعب ترسخت لديه ثقافة استهلاكية سيئة، واتكالية غير محمودة، بل أصبحت لديه قناعة بأن الفساد والواسطة والمحسوبية هي السبيل للحصول على الحق، بينما العمل بضمير والعطاء من أجل الوطن ليست إلا شعارات زائفة، فبات هذا الشعب غير مبالٍ في كثير من الأحيان، وأصبح أساس اختيار النواب عند البعض هو تقديم الخدمات بوساطة هذا النائب أو ذاك، وعند البعض الآخر هو ممثل القبيلة أول العائلة أو الطائفة، فهو من سيحصل لهم على حقوقهم من الحكومة الجائرة!

نأتي الآن على العلاج، وهو بالتأكيد لن يكون علاجاً قصير المدى أو بجرعة واحدة فقط، بل سيكون طويلاً ومرهقاً كما هو الحال في بعض الحالات التي تحتاج جرعات على فترات طويلة بالإضافة للعلاج الطبيعي وغيرها من العلاجات؛ فالعنوان الرئيسي لعلاج الخلل هو إصلاح المنظومة السياسية، بينما الواقع يتطلب أن نتعامل مع بعض المشاكل العالقة، كالأزمة السياسية المعلّقة منذ 2011، ويبدأ ذلك بالضغط على الحكومة والنواب لإقرار بعض القوانين المهمة كقانون العفو الشامل عن سجناء الرأي والتجمعات والنشطاء السياسيين، ثم العمل على إقرار قانون انتخاب جديد يحقق شيئاً من العدالة، وعلى أقل تقدير يرد الاعتبار للدستور بأن الشعب هو من يحدد نظام الانتخاب.

ثم نأتي أمام مهمة تنظيم العمل السياسي من خلال طرح قانون ديموقراطي لإشهار الأحزاب، بحيث يتم تشكيلها على أسس ديموقراطية وبشرط أن تعمل بأساليب سلمية تطبيقاً للمادة 43 من دستور دولة الكويت، فنحن بأمس الحاجة لإنهاء حالة الفوضى السياسية والانتقال للعمل السياسي المنظم، واختيار ممثلينا من خلال برامجهم وليس أسماء عوائلهم أو طوائفهم.

أما بالنسبة لثقافة المجتمع، فهي تأتي تدريجياً مع إقرار هذه القوانين، فالشعوب عادة لا تكون مهتمة بتفاصيل السياسة والسياسيين، لأن هناك عملاً منظماً ولأنهم يملكون القدرة على تغيير الحزب الحاكم أو «البرنامج» في حال كان فاشلاً في مهمته، وهذه الثقافة بطبيعة الحال ستخلق في مجتمعنا في حال تم تنظيم العمل السياسي.

وفي النهاية، نعم هناك العديد من المشاكل، والوضع العام سيئ، ولكن هناك أملاً كبيراً بالاصلاح، لأن الحلول موجودة وهي بسيطة جداً ولكنها تحتاج إلى إرادة شعبية وقبولاً حكومياً، لذلك يجب أن نكون متفائلين دائماً، فالوعي يتشكل عبر الزمن، والأخطاء التي لا تميتنا بل ستجعلنا أقوى وأصلب لأننا سنتعلم منها، وكلما ساءت الأوضاع زاد الأمل بأن الفرج قريب، وبالتأكيد لن نمشي إلى أبد الآبدين «عالبركة».