أقلامهم

الصحوة في الميزان

لا أقصد بالصحوة هنا، تلك التجمعات العشائرية التي تم إنشاؤها في العراق لمواجهة الجماعات المسلحة ومن بينها «القاعدة».

ولا أنوي الحديث عن الصحوة التي تبنّى بعض أبنائها الفكر التكفيري المتطرف والذي استخدم القوة والسلاح من أجل التغيير في المجتمعات.

وإنما أقصد بالصحوة تلك التي عرفها بعضهم بقوله «هي الظاهرة الاجتماعية التي تعني عودة الوعي للأمة وإحساسها بذاتها واعتزازها بدينها وكرامتها واستقلالها السياسي والاقتصادي والفكري وسعيها للنهوض بدورها الطبيعي في بناء حضارة الإنسان باعتبارها خير أمة أخرجت للناس».

هذه الصحوة التي انطلقت في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي.

تلك الصحوة الإسلامية التي انتشرت في معظم المجتمعات العربية والإسلامية، والتي جاءت بعد معاناة شديدة لهذه المجتمعات من الخواء الروحي والانغماس في الشهوات وضياع الهوية، والتشتت بين الشيوعية والعلمانية والرأسمالية.

مجتمعات خفت فيها صوت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلا فيها نعيق أصحاب الأفكار الهدامة، ودعاة التحرر من الدين والقيم والفضيلة.

جاءت هذه الصحوة لتصحح للناس بعض المعتقدات التي انحرفت، ولترشد الناس إلى منبع الأمن والطمأنينة والسعادة الحقيقية، والتي تكمن في التمسك بكتاب الله تعالى، والسير على هدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

هذه الصحوة التي استطاع بعض رموزها مزاحمة أرباب الأفكار الهدامة ودعاة الانحلال وأصحاب الحداثة، وواجهوهم بالأدلة الدامغة وبالردود العلمية الرصينة، وبالمقالات الهادفة، والخطب والدروس المؤثرة النافعة.

لقد وافقت الصحوة الإسلامية تعطشا كبيرا لدى الشعوب العربية والإسلامية، فكانت الصحوة كالغيث الذي انهمر بعد سنين الجدب.

ولأن معدن الشعوب العربية والإسلامية صاف، فقد أصبحت قلوبهم كالأرض الطيبة التي ارتوت بالماء فأنبتت الثمار اليانعة.

ومن قطوف تلك الثمار: تزاحم المصلون في المساجد وخصوصاً ممن هم في عمر الشباب، وانتشار حلقات تحفيظ القرآن وطلب العلم.

وزيادة المؤسسات الخيرية والإغاثية والتي عم خيرها أرجاء المعمورة، وانتشار الحجاب الإسلامي بين الفتيات بمختلف الأعمار، وانحسار موجة التبرج والسفور. وزيادة ضيوف الرحمن من زوار بيت الله الحرام من الحجاج والمعتمرين، والتي فاقت أعدادهم عشرات الملايين طوال العام.

وكان من ثمرات الصحوة إنشاء البنوك والمصارف الإسلامية، وتحول العديد من البنوك الربوية التقليدية إلى نظام الصيرفة الإسلامي.

ولو أردنا حصر تلك الثمار لما وسعها مساحة المقال.

وحتى نكون موضوعيين في تقييم الصحوة، فإننا لا بد وأن نقول بأن هذه الصحوة صاحبها بعض الأخطاء، ومنها التشدد في بعض الآراء الفقهية، وشيء من التعصب الحزبي، وتطرّفٌ في تقديس بعض الرموز.

إلا أن معظم هذه المظاهر تم علاجها وتداركها خلال مسيرة الصحوة المباركة، من خلال زيادة العلم، والاختلاط بين التجمعات المختلفة، ووجود بعض الرموز من العلماء القدوات والذين حرصوا على ترشيد هذه الصحوة.

ونختم القول بأن الصحوة الإسلامية المعتدلة الوسطية جلبت الخير للمجتمعات الإسلامية، وساهمت في انحسار الأفكار المتطرفة، وكذلك دعاة الانحلال والانحراف.

ومن الواجب على دولنا الإسلامية الاعتراف بفضل هذه الصحوات المعتدلة، ودعم رموزها ومؤسساتها، لأنها قطعا لن تجلب إلا الخير لوطنها وأمتها.