عربي وعالمي

تحليل سياسي..
مذبحة نيوزيلندا.. هل هو حادث عارض أم بداية صراع بين الحضارتين المسيحية والإسلامية؟

هل نستطيع أن نتحدث اليوم عن بداية حقبة جديدة في السياسة العالمية والتاريخ الإنساني؟

نيوزيلندا هي دولة هادئة بعيدة عن كل الأحداث، تتمتع بمستوى معيشة مرتفع، وبحدود دنيا من الأزمات المجتمعية، بما في ذلك ما يسمى بـ “قضية المهاجرين”،  بمعنى أن المجتمع لا يعاني بأي درجة من مشكلات الصراعات المجتمعية أو معدلات الجريمة التي يمكن أن تثير أي عدوان من جانب السكان المحليين (مثلما يحدث على سبيل المثال لدى الألمان وسائر الدول الأوروبية) ضد اللاجئين المسلمين.

كما أن نيوزيلندا بعيدة عن مراكز اتخاذ القرار، ولا تشارك في أي من الأحداث التي تتصدر عناوين الأنباء حول العالم، أي أنه لا يمكن القول بأن قضية مثل صراع الحضارات، أو تأثير ونشاط “الإرهابيين الإسلاميين” يمكن أن يشغل بال المواطنين النيوزيلنديين على نحو مؤثر، كما أن الحروب الإعلامية الدائرة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تمسّ المواطنين النيوزيلنديين من قريب أو بعيد.

في النهاية، نيوزيلندا هي آخر مكان على كوكب الأرض يمكن أن ننتظر فيه ردة فعل على أي من القضايا العالمية، وعلى الرغم من ذلك فقد رأينا اليوم كيف ظهرت على أراضي هذه الدولة الوديعة الهادئة عناصر قادرة على أن تضع حياتها على المحك استنادا إلى قضايا أيديولوجية. وهو ما يؤكد أمرين:
إذا ما وصلت تلك التوجهات إلى نيوزيلندا، فلا شك أن العالم قد تشبع بحدة ونطاق هذه التوجهات للدرجة التي وصل معها العدوان ضد المسلمين إلى مدينة هادئة على أطراف العالم، وهو ما يعني أن بقية البلدان في الغرب لابد وأنها تحظى بمستويات مرتفعة للغاية من تلك التوجهات العدوانية، ولابد وأن ينعكس ذلك على نتائج الانتخابات، وسياسات تلك البلدان، وسوف تكون هذه التغيرات السياسية كبيرة ولأمد طويل.

ولم تكن إذا إزاحة المستشارة الألمانية، بصعود موجة القوى اليمينية من قبيل الصدفة، وهو ما يؤكد عمليا على حتمية وصول اليمين إلى السلطة في الغرب، بينما تقع سياسة الغرب بشأن العالم الإسلامي على حافة تغييرات جذرية.

يبدو أن الغرب المسيحي قد انتهى من، أو دخل بقوة على أقل تقدير إلى، مرحلة التحول، التي مرّ بها العالم الإسلامي منذ فترة طويلة، حيث تتحول المشكلات الحياتية التي يواجهها المواطنون إلى قناعات أيديولوجية تستدعي ردات فعل لا ضد المصادر المحددة لتلك المشكلات، وإنما ضد أهداف “أيديولوجية” عامة، وذلك على غرار ردات فعل بعض المسلمين منذ فترة طويلة على الاستغلال الاقتصادي والعدوان العسكري والثقافي من جانب الغرب على دول إسلامية لا تجاه حكومات غربية بعينها ممن تمارس هذا العدوان، وإنما ضد المسيحيين الأبرياء بشكل عام، وهو ما وجد ترجمة له في عمليات وصعود تنظيمات إرهابية مثل داعش على سبيل المثال.

تثير الآن قضايا المهاجرين، داعش، الإرهاب وغيرها من المشكلات المحددة ردود فعل جزء من المواطنين المسيحيين العاديين لا ضد حكومات أو تنظيمات إرهابية، وإنما ضد المسلمين بأسرهم، ليتحول الصراع مع الإرهاب بالنسبة لقطاع أكبر من الناس إلى صراع ديني.
يبدو ذلك جليا في الإرهابيين النيوزيلنديين، الذين رفعوا شعارات أيديولوجية، لا علاقة لها بنيوزيلندا. فلا يمكن أن نقول أن الكراهية تعمي جميع المواطنين في الغرب، بالطبع لا، لكن لا يمكننا أيضا، في الوقت نفسه، أن نتجاهل التغيرات في المزاج المجتمعي. لابد من مواجهة الواقع، وكما يقول المثل الروسي: “معسول الكلام لا يغير طعم اللسان”.

يتضح لنا الآن ذنب وسائل الإعلام الغربية في إشعال الهيستيريا الإعلامية حول “الإرهاب الإسلامي” وتدفق اللاجئين، لكن لا يجب علينا أن نغفل عن الجانب الآخر، حينما يتحدث أساتذة وعلماء على صفحات الجرائد العربية يوميا عن “الحملات الصليبية”، ويحوّلون القضية إلى قضية دينية، وهو ما يشعل هيستيريا مقابلة، حتما ما تجد ضحاياها من عقول مغيبة، تدفع بالمشكلات المحددة والواضحة إلى مستويات أيديولوجية.
وللخروج من هذا المأزق طريقان: فإما الاعتراف بانهيار محاولات تجنب صدام الحضارات، أو استمرار محاولات البحث عن موائمات من كلا الطرفين.

لكنني أظن، مع الأسف، أن دواعي التفاؤل ليست كبيرة، فمذبحة نيوزيلندا ليست سوى خطوة على طريق انهيار النظام العالمي، بينما لا يبدو تحوّل العولمة تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية سائرا نحو مواجهة أمريكية صينية، تشبه الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وإنما نحو حرب يخوضها الجميع ضد الجميع. حقبة من الفوضى، يتزاحم فيها اللاعبون، وينضوون تحت تحالفات غريبة وهشة، قد تستمر لفترة من الوقت على أقل تقدير.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة