آراؤهم

رمضان شهر التغيير

بدأت نسائم الشهر الفضيل تلوح في الأفق، وغدت القلوب المتعطشة لأجوائه الإيمانية يتجاذبها الحنين لنفحاته العطرة، وفيوضات الرحمن المتجلية على عباده وهم يستروحون بلذة القيام وتلاوة القرآن، والنفوس ضارعة إلى ربها منيبة إلى بارئها في روحانية عالية تتلمس الطريق إلى رضوان الله.

وإذا كانت أقدامنا لا تزال تسارع الخطى على ضفاف شهر شعبان؛ استعدادا للضيف القادم على مرمى البصر، لتتنافس في تقديم نفسها له في أبهى حلة ظاهراً وباطناً، فلابد من وقفات مع النفس تنتهج بعدها التغيير شعارا بما يتلاءم مع طبيعة الصوم في جوهره ليرى الله منا ” رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه” في كل أمر ونهي قضاه جل في علاه.

لكن ما طبيعة التغيير الذي نريده ردءا يتقبل الله به منا العمل، وما مقوماته وملامحه ومنطلقاته؟ إنه ذلك التحول الذي يستبصر فيه المرء ما فرط في جنب الله من عمره، ويستقبل ما استدبر من معاصٍ سلفت وذنوب أسرف فيها، فيلقي بها في طيات التوبة الخالصة على ساحل رمضان، معلنا لله الإقبال والإقدام والسعي والهرولة؛ وهو سبحانه،يدفع له بسفينة النجاة، طولها شهر وعرضها الصيام والقيام، ووقودها الصلاة والذكر؛ ليحيا بعدها في تلك التي “عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين”، ولا يمس المرء فيها نصب ولا لغوب.

إن الوقفة الثانية لنهج التغيير بعد التوبة والقلاع عن الذنوب، تكمن في إصلاح النفس باستكمال فضائلها في رمضان فلا تسب ولا تشتم، لا تغتاب ولاتسخر، لا تتضجر ولا تحقر، لاتتعصب ولا تتكبر لا تمل ولا تسأم، هي إذاً خليقة ملائكية “فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون”.
أما ثالث وقفاتنا للفوز برمضان، فأداء العمل على الوجه الأكمل، ولا يكون الصوم جسرا للتهاون، ومخرجا للاخطاء والزلات برسم الجوع والعطش، ذلك أن الركن الركين أن يكون الصوم مقرونا بالعمل، ومتوجا بغض البصر والعفة والتعفف والتلذذ بالطاعة والفرار من شبهات الحرام، ثم تأخذ مقعدك على مائدة القرآن تالياً ومجوداً، ولا يفتقدك مكانك في ساحات التشهد والقيام، وتختم بالتهجد والجود والإكرام في ليلة هي خير من الف شهر.

أما الوقفة الرابعة، فالحذر كل الحذر، من أن يغرك الأمل وطول العمر، وتمنيك النفس والشيطان بأنك ما زلت صغيرا فتتهاون، وربك القدير يناديك” يأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم..”، ” يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه”.. فليكن كدحنا لله منجيا، فالأيام تمر مسرعة والعمر يمضي دقائق وثواني ، والأجل مكتوب، ولا نعلم، أهو اليوم أم غدا؟ فما زال صدى خطى رمضان الماضي في مسامعنا وها نحن اليوم على أعتاب شهر جديد وعام أوشك على الانقضاء.
وهذا شاعرنا يقول : إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا فإنما الربح والخسران في العمل.
وأخيرا، لنخط لأنفسنا عهدا وميثاقا، لا نخلفه مع الله، ألا نخرج من رمضان إلا وقد ربح البيع، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل.. “اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحب ويرضى ، ربنا وربك الله”.

حمود ناصر العامر
كاتب كويتي