آراؤهم

جحور وجسور.. ثعابين اليمن

في إطار المنافسة السعودية/الإيرانية يستخدم الإيرانيون وكلاء من العرب لضرب السعودية أو مصالحها أو مصالح من يؤثر على مصالحها, للضغط عليها بشكل مباشر أو للضغط على من يضغط عليها وذلك بهدف تضييق الخيارات أمامها وفرض واقع لا يترك مجالا لها سوى الرضوخ لمبدأ (القيادة الإيرانية على الإقليم), مما سيعطي ايران القدرة الإقليمية التي ستنطلق منها إلى العالمية كما كانت سابقا. (حلم فارس)
 
سيتطرق المقال لأحد الوكلاء الإيرانيين  (الحوثي) وظروف الحرب التي تخوضها السعودية معه , كما سألحق ضمن المقال مجموعة توصيات تكتيكية واستراتيجية:

يتكون الحوثيين من قوة عسكرية قوامها 10,000 مقاتل فقط وذلك قبل وصول الربيع العربي إلى اليمن وإسقاط الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح, وبعد سقوطه انفصل جزء من الجيش اليمني الموالي لعبدالله صالح واندمج مع القوات الحوثية لخلق قوة عسكرية (مضادة للثورة) تهدف إلى إعادة الحكم ليد صالح بالتحالف مع الحوثي, فإرتفعت القوات الحوثية وفقا لتقديري التحليلي بعد الإندماج إلى ما بين ( 30,000 و 40,000 ) مقاتل علما بأن موسوعة البحث ويكيبيديا تذكر أن عددهم وصل لـ 100,000 مقاتل وأدعي أنه رقم مبالغ فيه بشكل كبير, خصوصا وأن الجيش اليمني النظامي في عهد علي صالح لم يكن يتجاوز 70,000 مقاتل, في الوقت الذي لم ينشق فيه كل الجيش النظامي, وحتى لو انشق بكامله فإن عدده المجمل مع الحوثيين سيكون 80,000 وذلك لا يحاكي الواقع, حيث أن معظم الجيش لم ينشق ويندمج معهم.
والمسألة الأخرى أن هذا الإندماج وفقا لمعلومة معالي نائب رئيس الوزراء اليمني الأسبق ووزير الخارجية في الحكومة الشرعية الأخ عبدالملك المخلافي والتي ذكرها لي في اجتماع خاص جمعني فيه بالكويت لعدة ساعات عندما زارها لترأس وفد المفاوضات اليمنية ممثلا عن الحكومة الشرعية, ( والمعلومة ليست بسرية) يقول:
الرئيس السابق علي صالح في آخر عشرة سنوات من حكمه كان يشتري السلاح ويخزنه في بؤر موزعة في اليمن ويدفنها ويحدد إحداثيتها وذلك استعدادا لسيناريو سقوطه, وعلى إفتراض صحة المعلومة فإن ذلك الإندماج يعني أن صالح غذى الحوثي بالسلاح الذي خزنه لسنوات, فكانت نتيجة الإندماج غير تضخيم القوات الحوثية, تضخيم مخزونها من السلاح نوعا و كما.
وقبل أن يوظف الحوثي مخزونه الجديد من (سلاح الإندماج) نجحت قوات التحالف بقيادة السعودية بتدمير الجزء الأكبر من المخزون الذي يشكل خطرا على السعودية , وهذا ما يفسر سرعة البت بعملية عاصفة الحزم لضمان التدمير قبل توظيف السلاح ونشره, وفي هذه الأثناء وفرت إيران خطوط إمداد لوجستية للحوثي لتضمن له استمرار تدفق السلاح بالتالي استمرار قدرته على المقاومة وبهذا تضمن استمرار المشكلة التي تمسك هي بخيوط حلها من خلال إمساكها بخيوط استمراريتها (ضمان تدفق الإمداد).
وهنا يقودنا التسلسل المنطقي إلى التساؤل: كيف يصل الإمداد الإيراني للحوثي وهي لا تشترك بحدود برية او بحرية مباشرة مع اليمن؟
الطريق الأول: بناء على رويترز فإن سلطنة عمان لعبت دور (حلقة الوصل) بين إيران والحوثي وسمحت بعبور السلاح الإيراني من خلالها وصولا للجبال العمانية المتاخمة لليمن لتكون نقطة التبادل والتزويد , وفي حال صحت المعلومة فإن ذلك يعني أن كل كيلو متر على الشريط الحدودي العماني/اليمني يمثل تهديد للأمن الوطني السعودي لكونه قناة تدفق محتملة للسلاح والدعم اللوجستي الذي يلزم الحوثي ليستمر بمحاربة السعودية أو مصالحها في اليمن.
 
الطريق الثاني: (طريق بحري) تقطع فيه القوارب الإيرانية المحيط الهندي عبورا بخليج عدن ومن ثم تعبر مضيق باب المندب وصولا لسواحل جزر استأجرتها ايران من اريتيريا وتقع في الجهة المقابلة لميناء الحديده الذي يضع الحوثي يده عليه , وبهذا تكون نقاط خط الإمداد الثاني كالآتي: (ايران – اريتيريا – ميناء الحديده ) بحركة ملاحة مكوكية خلقت جسر امداد بحري آخر.
وهنا يظهر لنا سؤال آخر: لماذا عمان وأريتيريا يتعاونان مع الإيرانيين والحوثي ضد التحالف ؟
 
بالنسبة لعمان يعود السبب الرئيسي للمؤثر الجيوسياسي, فخضوع اليمن لدول التحالف يعني وحدة أجندة الدول الثلاثة التي تحد عمان برا وهي ( الامارات – السعودية – اليمن ) وذلك ما لا ترغب فيه عمان حتى لا تفقد متنفسها البري الوحيد في حال نشوب خلاف خليجي/عماني على إثر الخلاف الخليجي/القطري لذلك قد تكون حرصت عمان على استمرار مقاومة الحوثي حتى لا تكون اليمن جزء من أجندة دول التحالف التي تحيطها من باقي الجهات برا.
أما أريتيريا فيعود دافعها الأساسي إلى ما قبل حرب اليمن, حيث أنها وفرت نقاط إمداد لوجستية للحوثيين يطلقها الإيرانيون من على أراضيها لتضغط على الحكومة اليمنية في ملف جزر ( أرخبيل حنيش ) المتنازع عليها بين اليمن وأريتيريا, فبعدما خسرت أريتيريا الجزر بالقانون لجأت لأسلوب الضغط حتى تضطر الحكومة اليمنية في عهد علي صالح أن ترى بأن التفاوض مع اريتيريا والتنازل عن جزء من الجزر لها قد يكون أقل كلفة من محاربة وملاحقة الحوثيين, وبعد اندلاع حرب اليمن استمرت اريتيريا بتعاونها مع ايران لنفس الدافع وذلك لا يعني عدم وجود دوافع أخرى ولكن الجزر هي أهم دوافعها وعمود خيمتها.
 
أؤكد في هذا السياق أن قطع خطوط الإمداد أهم من تدمير ثلثي قوات الحوثي, وذلك لأن قطع الإمداد سيجعل الحوثي يخنع ولا يبادر بالهجوم حتى لا يستنزف مخزونه من السلاح ليحافظ على قدرته الردعية من خلال مخزونه المتبقي له , فيضمن قدرته على المقاومة في حال تعرضه لهجوم بري واسع من قوات الحكومة الشرعية, وحفظ السلاح للبقاء سيكون أهم بالنسبة له من هدره لمجرد إيقاع الضرر في عمق العدو بدون إيقاع ذلك التدمير الذي يحقق النصر.
كيف نقطع خطوط الإمداد ؟
أولا: وضع 10,000 جندي يمني تابع للحكومة الشرعية على طوال الشريط الحدودي العماني/اليمني خصوصا وأن طوله 288 كيلو متر فقط أي أنه اقصر خمسة مرات من الشريط الحدودي اليمني/السعودي بالتالي ضبطه اسهل من ضبط الحدود اليمنية/السعودية , وتزويد القوات المرابطة هناك بجميع الأدوات والتقنيات المطلوبة لتأمين الشريط الحدودي ووضع مكافآت (عينية لا مالية ) ذات قيم تفوق قيمة المضبوطات لكل جندي يمني يضبط أي إمدادات إيرانية (سلاح / أموال / أفراد) ويفضل أن تكون المكآفات العينية أراضي في جنوب اليمن مع وعد بتمويل تطويرها في حال الاستقرار.
ثانيا: بحث المخاوف العمانية ومحاولة توفير الضمانات اللازمة لـ طمأنة مخاوفهم مقابل ان ترفع عمان اجراءاتها الأمنية وتنفذها بشكل مشترك مع القوات اليمنية الشرعية المرابطة على الشريط الحدودي.
ثالثا: رفع تعاون الأمن الملاحي اليمني/الصومالي بإشراف قيادة التحالف وتأمين مدخل خليج عدن بقدر المستطاع من قوارب الإمداد الإيرانية.
رابعا: تشكيل قوة بحرية من مجلس تعاون الدول المطلة على خليج عدن والبحر الأحمر يكون مهمتها تأمين مدخل مضيق باب المندب من قوارب الإمداد الإيرانية, ويفضل أن تدأب هذه القوات على عمل مناورات دورية مع القوات البريطانية البحرية الموجودة في خليج عمان.

خامسا: استباق الحضور الروسي للمنطقة والمزمع حصوله قريبا بهدف عمل مناورات بحرية مع ايران لتأمين الملاحة البحرية, بعمل اتفاق عدم اعتراض يضمن عدم مرور السفن او القوارب الروسية في المناطق التي يستخدمها الإيرانيون بحرا لإمداد الحوثيين , وتقديم المقابل العادل الذي يطلبه الروس لإتمام الاتفاق أو طلب استجلاب سفينة بريطانية أو أميركية لمضيق باب المندب إن لم يعقد الروس الاتفاق.
سادسا: محاولة إحتواء أريتيريا بعمل تسوية اريتيريه / يمنية مرضية لجزر أرخبيل حنيش مقابل عدم السماح للإيرانيين بإستخدام الأراضي الأريتيريه كنقطة إمداد لوجستية للحوثيين ورفع إجراءات التأمين الملاحي في الجهة المشتركة بإجراءات تأمينية يمنية/اريتيريه مشتركة كإجراء أساسي لإعادة بناء الثقة مقابل التسوية, وإن لم تقبل بذلك فيستوجب وضع قوات بحرية من مجلس تعاون الدول المطلة على خليج عدن والبحر الأحمر في جزر أرخبيل حنيش لتردع مرور أي قارب إمداد يخرج باتجاه اليمن.
سابعا: قد يكون تقسيم اليمن إلى يمن جنوبي وآخر شمالي حل استراتيجي في حال استعصت الإجراءات الأخرى لأنه سيخلق دولة تفصل بين عمان وبين اليمن الشمالي (مقر الحوثي) بالتالي سيكون الإمداد البري أكثر صعوبة هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى التقسيم يجعل اليمن الجنوبي هو المسيطر بحكم موقعه على مدخل خليج عدن كما يعطيه القدرة على التضييق على مدخل مضيق باب المندب, ولكن قد يؤسس هذا الحل لمشاكل أخرى تنبعث مستقبلا لذلك الأفضل أن لا يتم اللجوء إلى هذا الحل إلا مع انتهاء كل الإجراءات الأخرى.
 
توصيات أخرى:

ثامنا: أحث على عدم دفع أموال للقبائل أو الفصائل (المتأرجحة) وذلك لأنها ستطرد الحوثي من منطقة معينة ثم بعد فترة معينة تعيد المنطقة للحوثي لتطلب تمويل آخر من التحالف مقابل إعادة إخراجه , هؤلاء الفصائل المتأرجحة مستفيدة من الحرب وتريد تطويل أجلها لذلك ستمارس ما يجعلها مستفيدة بشكل مستمر دون أي اعتبار لمسألة استمرار الحرب من عدمها , ولا أستبعد أن يكون بعض هذه الفصائل المتأرجحة على تنسيق مع الحوثي لتخرجه بدون مقاومة حقيقية بمقابل مالي يمول الحوثي به نفسه من تلك الأموال التي حصل عليها هذا الفصيل المتأرجح من التحالف.
 
تاسعا: الفصائل اليمنية الإرهابية غير الحوثية والتي يسعنا أن لا نحاربها اليوم, أوصي بتجنبها مؤقتا ومحاولة توظيف بعضها في الحرب ضد الحوثي من خلال مبدأ ( الأمان المؤقت مقابل التنسيق المحدود ) وستعيد عندها فصائل أو مجاميع من فصائل ارهابية حساباتها وسترغب بالتخادم مع الشرعية أكثر من رغبتها بالتعاون مع الحوثي, بالنهاية المهم أن لا تكون الفصائل الإرهابية جميعها في خندق واحد مع الحوثي, ولا بأس بالتخادم معها اليوم ما دام هذا التخادم لا يغذيها ولا يزيد عن توظيفها, وبعد السيطرة على اليمن يكون لكل حادث حديث في التعامل مع هذه الجماعات الإرهابية التي ارتضت مبدأ التخادم.
 
وأخيرا أنوه أن اليمن يحتاج إلى عقل ومشرط تشريح بريطاني أكثر من حاجته إلى الهيلمان العسكري الأميركي. بدليل استطاعة البريطانيين أن يحكموا اليمن بالسياسة في الوقت الذي عجزت فيه القوة العثمانية ومن بعدها المصرية من حكمها , كما عجزت القوات الأميركية عن اقتلاع فصيل إرهابي واحد من اليمن (القاعدة) وهذه دلالات معقولة تثبت تفوق أهمية السياسة في التعامل مع اليمن على أهمية القوة والعسكرة , ولعل أكثر جملة صادقة قالها الرئيس السابق علي صالح والتي تعزز ما نذهب إليه, قوله: ( أنا أراقص الثعابين ) يقصد بالثعابين (الفصائل الإرهابية التي تختبئ في جحورها) والحقيقة أن ما تحتاجه اليمن حاكم يجيد مراقصة الثعابين أكثر من حاجتها إلى حاكم يحاول قتل الثعابين, وذلك لأنها تقرر متى تظهر لك وأين تظهر وكيف تضربك في الوقت الذي إذا أردت أن تضربهم فيه لن تجدهم في المكان والتوقيت الذي تريده , فتكون الميزة لهم حتى مع رداءة تسلحهم وتقنيتهم, لذلك كانت المراقصة أوفر وأسهل لمن يحكم اليمن.

عبدالله خالد الغانم / باحث ومحلل سياسي