آراؤهم

التواضع الممسوخ

إن القارئ المطلع على التاريخ سيرى كثير من القصص منها المثالية الجميلة واخرى واقعية وهي الأجمل واخيراً سلبية سيئة ، ومع حقيقة بعضها وافتراء وكذب الاخرى تجد القراء بين قبول ورفض لهذه المرويات؛ والحجج في ذلك مختلفة متعددة.

ليس من التواضع أنك تنكر بعض الحقائق والأحداث في التاريخ الإسلامي كونها بدت بشكل رائع وصادق حتى وإن وصفها البعض بالمثالية مستغرباً من شكلها وأحداثها المبهرة! بل التواضع الحق أنك تثبتها وتقولها دون ازدراء لمعاصري الحدث ولا حتى لاحقيه، فهذا يعد تغافل في غير محله، فكل من لديه انجازات عظيمة وبطريقة عظيمة يحق له أن يفخر بذلك وواجب على من بعده ذكرها والاستشهاد بها افتخاراً بأشخاصها وأحداثها ونتائجها، وهنا لا أعني فقط التاريخ السياسي فتوحات جهاد توسع وحكم بل ايضاً التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وايضاً الفني.

للأسف كثيرة تلك الأحداث التي في حقيقتها أنها مكذوبة ومختلقة تجد من ينقلها يبالغ حتى في نشرها وهؤلاء على قسمين الأول مجرد ناشر وناقل لا يهتم بمدى مصداقية الحدث بقدر ما يهتم بالدراما والانفرادية في النقل ، والقسم الثاني هو يعرف مدى مصداقية الحدث ويعلم حق العلم أنه حدث مختلق الا أن له أهداف قد تكون فكرية أو عقدية لذلك يجتهد في تمرير هذه الاحداث في أقواله وكتاباته استشهاداً بشكل الاستئناس وهذه حيلة (خبيثة) ومن الأمثلة على تلك القصص والأحداث قصة العباسة أخت الرشيد والرشيد ذاته، وغالب تاريخ خلفاء بني أمية للاسف تعرض للتشويه، صلاح الدين وما تعرض له وغير ذلك من الأحداث التي اختلقت لغرض الإساءة.

لذلك الأحداث التاريخية (القصص) تحتاج عناية خاصة عند المؤرخين الأفذاذ وهم من يجتهد في إثباتها ونفيها وفق القواعد المنصوص عليها في علم التاريخ، فالمسألة ليست مشاعر ولا أهواء، ومن المعيب استعمال التاريخ باختلاق بعض الاحداث بل وحتى الشخصيات من أجل الطائفة الفكرية أو ارضاء الحاكم أو تمرير فكر وأفكار، التاريخ أيها القارئ للاستشهاد والاتعاظ بل وهو في حقيقته السبيل لاستشراف المستقبل أو على الأقل مقدماته وليس للاستعمال والتشريع مع تشويهه.

أكثر تاريخ قد شوه وبشكل متعمد هو التاريخ الاسلامي لأسباب كثيرة أهمها أنه تاريخ أمة كبير ممتد بأجيال متعاقبة وأن لفظ التاريخ هنا اقترن في دين (الاسلامي) وهذا ما جعل حقبه كثيرة وممتدة، وايضاً لأنه تاريخ يحوي كثير من الأعراق (وهذا عند المنصفين يجب أن يكون من محاسنه) لا مدعاة للنيل منه، وغيرها من الأسباب التي كانت سبب في تشويه كثير من الاحداث .

اخيراً قد ادعى كثير من الكتاب أنه من حقه أن ينتقد بعض الأحداث التاريخية ويراها اسطورية فتراه يسيء كثيراً في انتقاده حتى يتجاوز الأدب والحق فيتعرض لتاريخ مجمل ويصفه بالسوء وأنه درامي مزور وهذا من جهله المركب لسبب بسيط لأن غالب المرويات في التاريخ الإسلامي التي قد تغنى بها المستشروقون وأيتامهم وتلك محاولة بائسة للنيل من الإسلام وتاريخ أتباعه هي مرويات لا تصح عند علماء التاريخ المعتمدين، لذلك أول أمر يجب مراعاته عند قراءة التاريخ الإسلامي هو أن يبدأ القارئ بالكتب المعتمدة التي هي المصادر التاريخية الأصلية لا كتب المستشرقين والمتطفلين.

هذه الكلمات هي بوح متألم يريد الإختصار والاقتصار في تسليط الضوء على أمر مهم وخطير وأعظم خطره أن يكون متوارثاً وأن ينتشر في أوساط القرّاء الشباب وهو التواضع الممسوخ في ذكر واستذكار التاريخ واحداثه، التاريخ ليس قصص للتسلية التاريخ علم بل أبو العلوم وله قواعد وضوابط؛ لذلك يؤخذ التاريخ من أهله لا من قرائه.

مابعد النقطة:
المؤرخ الذي يقدم عاطفته على عقله هو كالعاشق المبتلى فلن يرى الحقيقة ولن يدرك العيوب.

فهد بن رشاش

@bin_rshash

5 تعليقات

أضغط هنا لإضافة تعليق