فن وثقافة

كيف تحول فيلم الجوكر إلى قضية أمنية في الولايات المتحدة؟

يبدأ اليوم عرض فيلم “الجوكر”، الشخصية الشريرة الأشهر في عالم الأبطال الخارقين، الذي شاهده حتى الآن عدد محدود جداً من الناس.
لكن الفيلم أثار بالفعل جدلاً كبيراً، حتى وصل الأمر الى بروز مخاوف بشأن تطبيق القانون في الولايات المتحدة.

وخلال الأسبوع الماضي، ذكرت وسائل إعلام أمريكية أن الجيش أصدر توجيهاً إلى أفراده أشار فيه إلى وجود تهددات “ذات مصداقية” بحدوث إطلاق نار جماعي مع بدء عرض الفيلم في صالات السينما.

ومنذ سبعة أعوام، قتل 12 شخصا وجُرح 70 في مدينة أورورا بولاية كولورادو الأمريكية، عندما فتح رجل النار على الحضور أثناء عرض فيلم باتمان “صحوة فارس الظلام”.

منع طلاء الوجه

ولن يُعرض فيلم الجوكر في دار عرض أورورا، حيث وقع إطلاق النار، بعدما استجاب أصحابه لطلب عائلات الضحايا.

كما كتب ذوو الضحايا لشركة وورنر بروس المنتجة للفيلم، طالبوها بالتبرع للمجموعات التي تدعم ضحايا جرائم السلاح، وإنهاء “التبرعات السياسية للمرشحين الذين يصوتون ضد تعديل قوانين حيازة السلاح”.

ونُشر نص الخطاب في مجلة “ذا هوليوود ريبورتر”، وجاء فيه “نناشدكم أن تكونوا جزءا من فريق متنام لقادة الشركات الواعين للمسؤولية الاجتماعية للحفاظ على أمننا جميعا”.

وذهبت واحدة من أقارب الضحايا إلى قول أن الفيلم يذكرها بـ جيمس هولمز، منفذ الهجوم الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة.

وقالت ساندي فيليبس، التي فقدت ابنتها البالغة من العمر 24 عاما في الهجوم: “لا أحتاج لرؤية وجه هولمز لأتذكره. يكفي رؤية الإعلان التشويقي للفيلم حتى تحضر صورته في ذهني”.

ومنعت دور العرض في عدد من المدن الأمريكية ارتداء الأقنعة، وطلاء الوجه، والملابس التنكرية عند عرض الفيلم، رغم أنه تقليد معروف عند إصدار أي من أفلام الأبطال الخارقين.

تشاؤم

ويحكي الفيلم قصة آرثر فليك، الفنان الكوميدي الذي يعاني من مرض عقلي، وينخرط في عالم الجريمة مدفوعا بتعثر حياته الشخصية والمهنية.

وذكرت البيانات الصحفية الأولية أن الفيلم به مشاهد عنف واقعية. واتهم عدد من النقاد المخرج تود فيليبس بتمجيد سردية فليك.

وكتب ريتشارد لوسون في مجلة “فانيتي فير” أن الفيلم “قد يكون دعاية غير مسؤولة للرجل الذي يتناول شخصيته بالنقد”.

لكن مخرج العمل، تود فيليبس، والبطل جواكين فينيكس، رفضا الاتهام بأن الفيلم يروج للتعاطف مع العنف. وعبر المخرج عن “دهشته” بالجدل المثار حول الفيلم.

وقال في مجموعة من الحوارات الترويجية الأسبوع الماضي إن الفيلم “به رسالة عن غياب الحب، وصدمات الأطفال، وغياب التعاطف من العالم. وأعتقد أن الجمهور يمكنه التعامل مع هذه الرسالة”.

وأضاف: “أرى أن الفن يجب أن يكون معقدا. وإذا أردت فنا غير معقدا، يمكنك التوجه إلى فن رسم الخط.”

“اليسار الم تطرف “

وألقي فيليبس باللوم على “اليسار المتطرف” في الجدل الدائر حول الفيلم. وقال في حوار مع موقع “ذا راب” للأخبار الترفيهية إن “اللافت للنظر في هذا الجدل هو كيف يمكن لليسار المتطرف أن يتبنى سردية مشابهة لليمين المتطرف، طالما يخدم ذلك أهدافه. وجعلتني التجربة أكثر وعيا بهذا الأمر”.

كذلك دافع فينيكس عن الفيلم، وإن كان غادر أحد الحوارات عند التحول إلى أسئلة حول ترويج العنف.

وقال فينيكس: “البعض يسيء فهم كلمات الأغاني، أو فقرات من الكتب. لذا أعتقد أن صانع الفيلم غير مسؤول عن شرح الأخلاقيات للجمهور أو توضيح الفرق بين الصواب والخطأ”.

وتابع: “بالنسبة لي، أرى أن هذا الأمر واضح”.

واعتبر فينيكس أن الإحساس بـ “عدم الراحة” أمر جيد. وأضاف: “وأعتقد أنه من الجيد أن تجعلنا الأفلام نشعر بعدم الراحة أو نغير من طريقة تفكيرنا. أنا سعيد بذلك”.

وأوضح “لذا أردت أن أقوم بهذا الدور، لأنه لم يكن سهلا بالنسبة لي. شعرت بأطياف متباينة من المشاعر تجاه الجوكر أثناء الإعداد لهذا الدور”.

الأشرار المفضلون

واختيار فينيكس للقيام بهذا الدور زاد من الجدل حول الفيلم، فهو معروف باستخدام منحى نفسي في حرفته. وأظهرت المشاهد الترويجية أنه قدم شكلا مقبولا للشرير المعروف.

كما تطرق الجدل إلى ولع البعض “بالأشرار”، مثل شخصية دارث فيدر في سلسلة حروب النجوم.

وقال عالم النفس ترافيس لانغلي إنه “أمر مفهوم. فبعضنا يريد أن يتخيل ما يمكن أن يفعله في غياب أي قيود”.

ولانغلي مؤلف كتاب “نفسية الجوكر – المهرجون الأشرار والنساء اللاتي يحبونهم”.

وقال في حوار مع إحدى الإذاعات المحلية إن “الأشرار يتصدرون هذا النوع من السرديات لأن الأبطال عادة ما يكونون رد الفعل. فهم يتفاعلون مع تصرفات الأشرار. وعندما يبادرون بالتصرف، يُنظر إليهم على أنهم استباقيون”.

وثمة واقعة سابقة لا تساعد على الدعاية السلبية لفيلم الجوكر.

إذ توفي هيث لودجر، الذي قام بدور الجوكر في فيلم “فارس الظلام” عام 2008، بعد فترة وجيزة من بدء عرض الفيلم، إثر جرعة زائدة من المخدرات.

وكان أداء لودجر متميزا، لدرجة أنه حصل بعد وفاته على جائزة أوسكار أفضل ممثل مساعد عام 2009، وهو أمر فريد من نوعه في أفلام الأبطال الخارقين.

إلا أن وفاة لودجر أججت شائعات بأن “لعنة الشخصية كانت تطارده”.

وساعد تعليق جاك نيكلسون، الذي أدى شخصية الجوكر في فيلم باتمان عام 1989، من انتشار الشائعات. وكان نيكلسون قد قال عند علمه بوفاة لودجر “لقد حذرته”.

خط أزياء مرخص

وأصدرت شركة وورنر بروس بيانا أنكرت فيه أي تعاطف في الفيلم مع شخصية الجوكر.

وجاء في البيان أن “واضح تماماً أن شخصية الجوكر والفيلم لا يروجان لأي نوع من العنف الواقعي”.

“ولا يهدف الفيلم ولا صناعه ولا الشركة المنتجة إلى تمجيد شخصية الجوكر”.

وأطلقت الشركة المنتجة خط إنتاج مرخص لأزياء الجوكر، من بينها السترة الحمراء التي ارتداها فينيكس في الفيلم، والتي يبلغ ثمنها 75 دولار.

وصمة المرض العقلي

كذلك عبر نشطاء الصحة العقلية عن مخاوفهم من طريقة تناول الفيلم للمرض العقلي.

وهذا الأمر محل جدل كبير حول النظرة الثقافية للمرض، وانتقد الكثير من خبراء علم النفس طريقة تقديم هوليوود للشخصيات المصابة بمرض عقلي.

وذكرت جمعية “وقت التغيير” البريطانية، المعنية بالتمييز والمغالطات حول المرض النفسي، أن التغيير في هذا المضمار يواجه مقاومة، مقارنة بالقضايا الأخرى المتعلقة بالجنس أو العرق.

وقالت جولي إيفانز، رئيسة الاتصالات في الجمعية، في حوار مع بي بي سي “نرصد بعض التغيير في الأفكار المغلوطة حول “الشرير المجنون” في الأفلام. لكن هناك تاريخ طويل من التشويه”.

وتابعت: “السياق الدرامي يميل إلى المبالغة وزيادة المعلومات الخاطئة. لكن الأغلبية الساحقة من المصابين بمرض عقلي لا يشكلون أي خطورة”.

وأكدت على أن الكثير من المرضى “هم ضحايا للعنف، لا معتدين”.

ويقول تيم سنيلسون، محاضر دراسات السينما في جامعة إيست أنغليا ومشارك في مشروع عن السينما والصحة العقلية، إنه من القسوة تقييم فيلم الجوكر قبل عرضه للعامة.

وأضاف أن هوليوود “قدمت الكثير من الأفلام التي تتماهى مع بعض الأفكار المغلوطة، مثل الربط بين الصحة النفسية والعنف. لكنني شاهدت الإعلانات التشويقية للفيلم، وبدا لي أن هناك محاولة لتقديم شيء أكثر إثارة، وتحديدا سرد أصول المرض العقلي للشخصية. وهو ما افتقرت إليه الأفلام السابقة”.

جائزة ومدح

كما قال سنيلسون إنه “من المخجل أن شخصية الجوكر ما زالت حبيسة للأفكار المغلوطة. لكنها على الأقل بدأت حوارا حول طريقة تناول المرض العقلي”.

وما لا يمكن إنكاره هو أن الفيلم حظي بمراجعات إيجابية حتى الآن، إذ بلغت نسبة الثناء عليه على موقع “روتن تومايتوز” 77 في المئة.

كما أن هذا الجدل يزيد من اهتمام الجمهور بالفيلم، إذ يتوقع بوكس أوفيس الأمريكي أن يدر الفيلم أرباحا قدرها مئة مليون دولار في أول عطلة نهاية أسبوع من عرضه في الولايات المتحدة.

وأخيرا وليس آخرا، حصل الفيلم على جائزة كبرى في مهرجان البندقية للأفلام في مطلع هذا الشهر.