كتاب سبر

بس فصخت!

أسبوع كامل والبلد على تجلس فوق براميل من البارود والوقود، سبع أيام حبست البلاد أنفاسها تحت سطوة حالة من الاضطراب والتوتر، بعد أن قام رجل نكرة ولأسباب مجهولة بكشف مؤخرته في وضح النهار على مرأى المتواجدين والعابرين في “شارع سالم المبارك”! هكذا من دون مقدمات “لا أعلم ما هي المقدمات في أمر كهذا” وقف في منتصف الطريق وقام بإنزال بنطاله وسرواله الداخلي كاشفاً عن عورته مرارًا وتكرارًا متسببًا بهرج ومرج وشلل مروري تام وسط ذهول المحتشدين، لتلتقط الحدث كاميرات الهواتف قبل أن يمتطي مركبته ويلوذ بالفرار مسرعًا.

البعض أوعز الأمر نتيجة انتشار المخدرات الرخيصة، والبعض الآخر إلى انعدام الواعز الديني، آخرون اعتبروا الشخص يعاني من خلل في الطابق الأعلى من جسده لا أكثر، ولكن الأمر بدأ يتصاعد شيئا فشيئا كوخزة حقنة صغيرة في المؤخرة فتؤثر في الدماغ مباشرة، انشغلت البلاد واشتعلت ساحة “تويتر” بمؤخرة المجهول لتصبح مؤخرته “ترند الهاشتاقات” مواقع التواصل الإجتماعي، ويبدأ وعاظ الكاميرات الأمامية في “سناب شات” يدلون بدلوهم في الحادثة من منطلق غراب قال لغراب آخر يا أسود الوجه، هناك من يحذر من عواقب الفعل المشين محذرًا من مصير كمصير سوريا والعراق، أصوات مختلفة تدعو إلى التهدئة وضبط النفس وتحكيم العقل، مجموعة مختلفة اعتبرت الأمر شكلا من أشكال الحرية المكفولة دستوريًا (علمًا أن الدستور يكفل لك الحرية ولكن ابحث عمن يكفلك من النيابة العامة) معتبرين الرجل علياء المهدي الكويت!.

زادت التصريحات وعلت الصيحات، إلى حد أن أحد النواب الإسلاميين هدد باستجواب وزير الداخلية في حال عدم اتخاذ إجراء قانوني ضد كاشف مؤخرته حفاظًا على الآداب العامة خصوصًا لما تشهده المنطقة من وضع ملتهب إقليميًا وخطر إيراني مرتقب، بدورها صرحت النائبة إياها أن الحادثة وقعت في شارع سالم المبارك وهو المكان الذي يعج بالوافدين مع الأسف على حد تعبيرها وهذا ما يؤكد أن كاشف عورته وافد بطبيعة الحال وهذا نتيجة خلل التركبية السكانية، أما الجهاز المركزي لشؤون المقيميين بصورة غير قانونية فقد أشار أن الرجل من فئة البدون ولديهم المستندات والجنسية الأصلية (للرجل لا لمؤخرته طبعًا) وهذا ما استند عليه مجموعة الثمانين في بيانهم المعنون “كشف المؤخرة يكشف التجنيس السياسي”!!

تحركت كوكبة من المحامين -غير المتكسبين طبعًا- الذين يمتلكون عيني مفترس بحري يترقب في الأعماق عن أدنى حركة، أقول قامت مجموعة من المحامين الشرفاء بتقديم شكوى لدى النائب العام وحتى كتابة هذه السطور لا يعرف شكواهم ضد من؟! دخلت أيضًا المعارضة القديمة على خط التصريحات فطالبت من اسطنبول بتحصين الجبهة الداخية بعد حادثة المؤخرة وإصدار عفو عن الأحرار الذين صدرت بحقهم أحكام سياسية، قابلت دعواهم اعتراضات شيعية نيابية تطالب أن يشمل العفو أعضاء خلية العبدلي فمن خزن القنابل أقل إجرامًا ممن كشف سلاحه في العلن!، أما الصديق العزيز صالح الملا فقد استيقظنا صباحًا على دعوة منه إلى تجمع جماهيري كبير في ساحة الإرادة لإسقاط الحكومة وأطلق شعار #بس_فصخت لهذا ليوم الموعود.

باتت الوحدة الوطنية على المحك.. بعد تبادل الاتهامات مما يهدد بتمزيق النسيج الوطني الذي طالما تغزلنا به وغنينا له “الأوبريتات”، فريق يلصق صاحب المؤخرة في الفريق الآخر، لتبدأ الآية الكويتية الشهيرة “ما يمثلنا” الذي نستخدمها كالملح في الطعام دائمًا و كثيرًا.

خلال الجلسة الطارئة التي عقدها مجلس الأمة لمناقشة أخر تطورات قضية المؤخرة والتي كان مقررًا لها في الأصل مناقشة قضيتي الإسكان والبدون لكن تم تأجيل مناقشتهما بعد ظهور قضية المؤخرة لحساسيتها وعمقها (أقصد القضية!) فارتأ إدراجها على سلم الأولويات، أقول خلال الجلسة وقف أحد النواب المحافظين الذين تصدروا الصفوف الأولى في معركة ذات المؤخرة بابتسامة ظفر ما كأنه إلا القائد روميل في معركة العلمين ليزف خبر القبض على كاشف المؤخرة الذي يرسف حاليًا بالأصفاد ليرتدع كل من تسول له نفسه القيام بأمر مماثل وحتى لا تكون ظاهرة في مجتمعنا المتمسك بشريعته السمحاء وعاداته وتقاليده المصونة (وكأن الناس ينتظرون الإشارة ليكشفوا مؤخراتهم وتصبح البلاد شاطئ للعراة) لتضج القاعة والتكبير وهتافات النصر المظفر.

بعد عامٍ ونيف من الحادثة وبعد أن قضى بطل الحكاية ٦ أشهر في السجن المركزي بتهمة القيام بفعل فاضح في مكان عام، وهاجر بعدئذٍ كلاجئ في ربوع أوروبا، ليكمل مسيرته النضالية كما صرح بذلك في مقابلة تلفزيونية في إحدى المحطات الأجنبية، فقد بات اليوم ذائع الصيت يشار إليه بالبنان والقنادر ويملك شهرة لا بأس بها جلبت له أموال طائلة مقابل الدعايات الإعلامية التي ينشرها نظير مبالغ باهظة، ناهيك عن إيرادات كتابه “كتاب كشف الغمة عن مؤخرة الأمة” وبات ممارساً للتنظير بل أيضاً نال الثناء والمديح وحصل على وسام “لله درك” بعد أن هاجم ما سماهم الروافض تارة، وتارة عندما شن حملة على مجموعة من اليساريين واللبراليين واصفًا إياهم بالمنحلين الغربيين… اي وشرفي لك الحق فقد “ضجت عليك مآذنُ ومنابرُ” على رأي أحمد شوقي.

ماذا لو فعل فعلته هذا المخبول في بلد أوروبي؟ لكانت مجرد لقطة مبتذلة على صفحات يوتيوب، أو لربما نالت على الاستهجان المجتمعي وعوقب بما ينص عليه القانون لو لم تكن بلدا أوروبياً، أما عندنا فهي قضية سياسية من الطراز الأول وخلاف فكري بين المحافظين والتنويريين لكننا نحن المترفون البلداء المترهلون الذين ليس لدينا قضية كبرى نقاتل من أجلها أو احلام نسعى إليها نجعل من كل حبة قبة ومن كل مؤخرة مقدمة.

“مع كل طلعة شمس
سارية إسعاف بتفوت
وسع طريق يا مواطن
معانا وطن بيموت”

محمد العجمي (بوعسم)

7 تعليقات

أضغط هنا لإضافة تعليق